هل تتكرر تجربة حماس في الانتخابات المصرية الجديدة؟

TT

على الرغم من نجاح شباب ميدان التحرير في إسقاط حكم حسني مبارك والحزب الوطني، يظل السؤال مطروحا: من الذي سيحكم مصر بعد الثورة؟

فقد انتهت اللجنة القانونية، برئاسة طارق البشري، من عمل التعديلات الدستورية اللازمة لإجراء انتخابات برلمانية نزيهة، كما تقرر انتخاب رئيس جمهورية جديد مباشرة من قبل الشعب. ومع هذا فلو جرت انتخابات نزيهة بعد ستة أشهر، كما هو متوقع، فسوف يتكرر في مصر ما حدث في الانتخابات الفلسطينية من قبل، عندما فازت حركة حماس بغالبية المقاعد في المجلس التشريعي بسبب الفساد الذي تميز به بعض قادة فتح، ثم فرضت سيطرتها بالقوة على قطاع غزة. ويمكن لأحزاب الجماعة في مصر الحصول على أغلبية في الانتخابات المصرية وتكوين حكومة بالتحالف مع الناصريين الذين يضعون قضية الصراع العربي - الإسرائيلي في مقدمة أولوياتهم.

من المؤكد أن تفوز جماعات الإسلام السياسي بأغلبية المقاعد في البرلمان الجديد، ليس لأنها تمثل رغبة الشعب المصري، لكن لأنها هي الوحيدة التي تملك تنظيما يعود لأكثر من ثمانين عاما. وقد تحدث الشيخ أحمد المحلاوي، خطيب مسجد القائد إبراهيم وأحد قيادات الإخوان في الإسكندرية، بعد صلاة الجمعة يوم 4 مارس (آذار)، مطالبا بإقامة دولة إسلامية. وعلى الجانب الآخر لن يتمكن أي من شباب الثورة من الترشح للانتخابات بسبب صغر السن، وليس أمامهم من الوقت ما يكفي لتكوين أحزاب جديدة تستطيع منافسة الإخوان، كما لن تتمكن الأحزاب القديمة من تنظيم صفوفها في ستة أشهر بعد أن حرمت من حرية الحركة منذ نشأتها قبل نحو أربعة عقود.

اتبعت جماعات الإسلام السياسي مؤخرا الطريقة نفسها التي استخدمها الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة عندما رشح عدة أعضاء في الدائرة نفسها؛ حيث من المتوقع دخول ثلاثة أحزاب للإسلام السياسي في الانتخابات المقبلة. ففي 20 فبراير (شباط) الماضي، وافقت دائرة الأحزاب بمجلس الدولة على تأسيس حزب «الوسط» بقيادة المهندس أبو العلا ماضي وعصام سلطان - وهما عضوان سابقان بجماعة الإخوان المسلمين - وبعد يومين قررت جماعة الإخوان تكوين حزب سياسي آخر باسم «الحرية والعدالة»، كما أعلن عبد الله الأشعل - وهو مفكر إسلامي عمل مساعدا لوزير الخارجية في مصر - عن تكوين حزب جديد باسم «مصر الحرة».

وعلى الرغم من قيام هذه الأحزاب كلها، فسوف تظل الجماعة الأم للإخوان المسلمين قائمة، ببرنامجها وتنظيماتها من دون تغيير. ورغبة منها في طمأنة الشعب المصري على أنها لا تريد الاستيلاء على الحكم، أعلنت أنها لن ترشح أحدا لانتخابات رئاسة الجمهورية. لكن هذا الكلام يعتبر مناورة سياسية أكثر منه تنازلا من قبل الجماعة، فالكل يعرف أن الجماعة لن تتمكن من الحصول إلا على نسبة تتراوح بين 20 و30% من الأصوات في أي انتخابات حرة - وهي النسبة التي حصلت عليها في عام 2005 - ولن يتمكن مرشحها لرئاسة الجمهورية من الفوز في انتخابات مباشرة من الشعب.

والهدف الرئيسي لجماعات الإسلام السياسي هو إسقاط الحكومات القائمة في الدول الإسلامية بالقوة، وإنشاء خلافة إسلامية تتولى إخضاع جميع شعوب العالم وإقامة ما يعتقدون أنه الحكم الإلهي المقدس.. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، قرر كمال أتاتورك - أول رئيس للجمهورية التركية - إلغاء الخلافة العثمانية في إسطنبول، عام 1924. وفي مايو (أيار) 1926 عُقد مؤتمر في القاهرة بهدف الاتفاق على نظام الخلافة الجديد، إلا أن غالبية المندوبين الحاضرين - وكان عددهم 38، يمثلون 13 دولة إسلامية - لم يتفقوا على ضرورة إحياء الخلافة؛ حيث كانت الدول الإسلامية تحاول استعادة استقلالها القومي.

وفي عام 1928 قام حسن البنا بتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، للعمل على بناء الخلافة الإسلامية من جديد. كانت جماعة الإخوان المسلمين هي أول تنظيم للإسلام السياسي، كما كون الإخوان جناحا عسكريا - الجهاز السري - بدأ يقوم بأعمال إرهابية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، وعندما أعلن عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 ازدادت شعبية الجماعة بسبب إسهامها في الحرب لمنع قيام الدولة الجديدة، ثم حدث تطور درامي في المجال الفكري للإسلام السياسي منذ ستينات القرن الماضي، ذهب إلى أن الطريقة الوحيدة لبناء الدولة الإسلامية هي استخدام العنف. فقد كتب سيد قطب - الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين - كتابا ذهب فيه إلى أن حكومات الدول الإسلامية كلها ليست لديها شرعية في الحكم، ورأى أن الوسيلة الوحيدة لإصلاح هذا الخلل تأتي من طريق استخدام القوة للقضاء على السلطات الحاكمة، أي الجهاد. كما ذهب إلى أنه في المستقبل عند قيام الدولة الإسلامية الصحيحة، يجب عليها الجهاد - أي القتال - ضد الدول الأجنبية كذلك لنشر الحكم الإسلامي بالقوة. وتبنت الجـمـاعات الإرهابية فكر سيد قطب بعد إعدامه في أغسطس (آب) 1966.

لا أحد ينفي أن الإخوان المسلمين هم مواطنون مصريون لهم جميع الحقوق السياسية التي للآخرين، وإذا ما حصلوا على تأييد غالبية أبناء الشعب المصري يصبح لهم الحق في حكم البلاد بالطريقة التي يريدونها. لكننا نعرف أن غالبية شعب مصر تريد بناء نظام سياسي جديد يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء، في ظل مجتمع مدني ديمقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية. فليس أمامنا الآن سوى خيارين: الخبز والحرية أو المغامرات الحربية والأحكام العرفية.

الضمان الوحيد لحماية مكاسب ثورة ميدان التحرير لن يتحقق إلا عن طريق انتخاب رئيس للجمهورية يؤمن بمبادئ الثورة كما آمن بها عصام شرف رئيس الوزراء؛ حيث إن النظام المصري يجعل السلطة في يد الرئيس. ومن الضروري الإبقاء على الحزب الوطني في الوقت الحالي، بعد إلغاء سيطرته على المحافظين والمجالس المحلية، حتى يتم حفظ التوازن بين القوى السياسية. بعد ذلك يتم وضع دستور جديد للبلاد يقلص سلطات رئيس الجمهورية ويعطي الأحزاب الفرصة للتنافس بحرية لاختيار الأفضل.