مصر ترفع رأسنا

TT

في هذه الأيام المرة التي أخذ العالم فيها يحتقر العرب والمسلمين ويستهزئ بهم، رحنا بدورنا نحن العرب والمسلمين ننقل ذلك إلى موقفنا من إخواننا المصريين، نتهمهم بالجبن والخنوع والكسل والتخلف والزبالة والانهماك بالجنس والإنجاب. بيد أن شباب القاهرة مزق هذا الكفن وخرج. ستصبح انتفاضتهم السلمية درسا أساسيا في تكنولوجيا الجهاد المدني (اللاعنف). كيف تستعمل الفكاهة والسخرية كسلاح؟ كيف تهادن الجندي بتقديم وردة له؟ كيف تحمل ضابطا على كتفيك احتفالا بمواطنته وأخوّته؟ كيف تنظم المتظاهرين وتمونهم بالغذاء والدواء والإسعافات الأولية؟ كيف تتعامل مع وسائل الإعلام والإنترنت؟ كيف تتبادل المعلومات وتنقل التعليمات؟ الصبر والجلادة والتحدي! كيف تتحلى بها وتديمها؟

تعرضت في كتابي «نحو اللاعنف» لموضوع التزام المجاهدين بتنظيف المدينة. تساءلت عندما لاحظت الشباب يكنسون ساحة التحرير، هل قرأوا ذلك الكتاب؟ الحرص على نظافة المدينة من سنن المدنية ومظاهر الحضارة ووسائل الجهاد المدني. فالشارع النظيف يثنيك عن العنف والتخريب، والشارع المزبل يشجعك على ذلك. كتبت قبل أشهر في هذا العمود أحث الأحزاب العراقية على تجنيد شبابها لتنظيف بغداد من القمامة. لم يسمع أحد. اضطرت البلدية لاستيراد شركة تركية تقوم بالمهمة. سألوا المسؤول لماذا تأتي بالأتراك ليقوموا بالعمل ولدينا كل هؤلاء العاطلين؟ قال: العراقيون لا يشتغلون. ولِمَ يشتغلون وعندهم نفط يسرقه كل من هبّ ودبّ؟

يقال إن السويد تفكر الآن بمنح جائزة نوبل للسلام للشعب المصري. ولكن قد يرى البعض أن تونس التي بدأت بكل هذه العملية أحق بها. وفي كلتا الحالتين رفرفت روح السلام على جل مفارق العملية، حتى الرئيس خرج بسلام واحترام.

تنفرد مصر من بين كل البلدان العربية بقدم حضارتها. وأنا لا أشير هنا للحضارة الفرعونية وإنما لحضارتها المعاصرة. بدأ محمد علي الكبير بتطوير مصر في مطلع القرن 19. لماذا فشلت الثورة الصناعية في مصر ونجحت في إنجلترا (التي بدأت بنفس الأيام)؟ موضوع يثير كثيرا من التفكير والأبحاث. بيد أنني عندما زرت القاهرة أول مرة بعد حياتي بين لندن وباريس، لفتت نظري ساحاتها وتخطيط شوارعها وهندسة عماراتها وقلت لنفسي هذه مدينة فرنسية. بالطبع لم أكن قد زرت بعد أحياءها الفقيرة. يتطلب السلوك الحضاري خلفية حضارية. انعكست هذه الخلفية في سلوك الشباب.

السؤال الآن: هل سيستطيعون مواصلة التعامل الحضاري والعقلاني مع السلطة بنضوج وبروح الواقعية العلمية ليخرجوا بمصر من مشاكلها المستعصية؟ مرحلة ما بعد الثورة وما بعد الحرب هي دائما المشكلة الأصعب التي كبت فيها شتى الأنظمة وشتى الدول. وهذه نقطة تهمنا جميعا كعرب ومسلمين.

وصل مواطن مصري قبل أيام إلى بريطانيا. قدم جواز سفره في مطار هيثرو لضابط السفر. نظر فيه ثم سأله: «أنت مصري صحيح»؟ قال نعم مصري أبا عن جد. رفع الضابط جوازه عاليا لزملائه وصاح «هنا واحد مصري!» دوت من كل الموظفين والمسافرين عاصفة من التصفيق وهم ينظرون إليه وهتفوا: Long Live Egypt!