هل حان وقت الكلام؟

TT

أصبح المشهد في اليمن يشير بوضوح منذ فترة إلى حالة جمود لم يستطع أحد فكها حتى الآن بين المعارضة الموجودة في الشارع منذ أسابيع والحكم الذي وجد نفسه في وسط عاصفة لم يتوقع أن تأتي بهذا الشكل، أو بهذه السرعة بعد ما حدث في تونس ومصر ثم ليبيا.

في تونس ومصر أعطى الشارع الشرعية لتغيير الحكم، لأن النظام السياسي لم يكن يوفر عمليا الأدوات اللازمة للناس لتوصيل رسالتهم عبر مجالس منتخبة بشكل حقيقي يمكنها أن تقوم بعملية محاسبة حقيقية وتغيير الحكومة أو القائمين على الحكم لو رأى الناس أن أداءهم لا يحقق مصالحهم، ونجحت الثورة هناك في تحقيق أهدافها الأولى بتغيير الحكم لأن الأزمة جعلت هناك توافقا عاما أو أغلبية كبيرة مجتمعية تريد أن يحدث التغيير وأصرت عليه وكانت هناك قوى سياسية ومؤسسية جاهزة أو مستعدة لإدارة الفترة الانتقالية.

في اليمن، التركيبة مختلفة فهناك أحزاب، وقوى قبلية وبرلمان فيه معارضة، ودرجة من الحراك السياسي، لكنه كما ظهر لم يكن مقنعا للشارع، لأن كل هذا الحراك والتنوع في التركيبة لم يسفر عن شيء، أو يقدم شيئا للمواطن العادي الذي يشكو أيضا من الفساد.

الصورة مختلفة أيضا، لأن هناك حالة دولة وصلت إلى حد الإنهاك من جراء مشكلات وأزمات تراكمت فوق بعضها لتصنع كوكتيلا متفجرا لا أحد يعرف كيف سينفجر وفي أي اتجاه، فهناك مشكلة في الجنوب، وأخرى في الشمال مع الحوثيين، وهناك مشكلة مع الإرهاب وتنظيم القاعدة الذي يحاول إيجاد موطئ قدم بديل لأفغانستان، وكلها مشكلات كانت أدواتها هي السلاح الذي استخدم وبكثافة وضحاياه بالآلاف، وفوق كل ذلك هناك المشكلة القديمة المتعلقة بالوضع الاقتصادي السيئ، ونسب البطالة العالية، ومستويات الفقر المرتفعة من دون وجود أفق يعطي الناس أملا في غد أفضل وهو أخطر شيء.

وأي متابع لحركة الأحداث خلال الأعوام الماضية كان لا بد أن يرصد أن هناك غليانا لا بد أن ينفجر عند لحظة معينة وهذا ما يحدث الآن منذ أسابيع ويأخذ شكلا متصاعدا من الصدامات التي يسقط فيها ضحايا. وقدم النظام تنازلات تحت ضغط الشارع لكن المعارضة اعتبرتها متأخرة عن وقتها، حتى جاء إعلان أحد أعضاء الحزب الحاكم أن هناك مبادرة جديدة لحكومة وحدة وطنية يقودها شخص من المعارضة مع وعود بجدول زمني لدستور جديد للوصول إلى نظام برلماني وانتخابات رئاسية في مهلة لا تتعدى الربع الأول من العام المقبل.

الانطباع الأولي لما أعلن يعطي مؤشرا إيجابيا لإمكانية إيجاد مخرج للأزمة التي لا يبدو أن أحد أطرافها لديه الإمكانية لحسمها، لكن وسط ضجيج المصادمات والمواجهات يبدو أن صوت هذه المبادرة لم يسمعه أحد جيدا، أو أن درجة الاحتقان جعلت الثقة مفقودة تماما.

هنا يأتي دور السياسيين والأحزاب والقيادات التي تدرك ظروف بلدها، فعندما تكون هناك فرصة حقيقية لتجنب صدام دموي يأتي وقت الكلام والحوار أو إعطاء فرصة لمائدة تفاوض لإيجاد حل، أو قد يكون مفيدا على الأقل استكشاف مدى جدية العرض والاستعداد لتنفيذه وضمانات ذلك. المسؤولية هنا مشتركة وهي أكبر على الحزب الحاكم ومسؤوليه في إقناع المعارضة والشارع بأن هناك جدية في العرض المقدم والحوار، كما أنه مسؤولية المعارضة في التقاط الفرصة عندما تكون حقيقية وسانحة.