حب بالواسطة

TT

عرفنا في الماضي أنواعا من الحب؛ مثل الحب بالاستعطاف كأن يقول العاشق لحبيبته: «تبيني وإلا أطب البحر»، أي أن ينتحر العاشق غرقا، وثمة حب بإثارة كبرياء الحبيب وغروره كقول عمنا أحمد رامي:

عزة جمالك فين

من غير ذليل يهواك

وقوله:

قالوا لي هان الود عليه

ونسيك وفات قلبك وحداني

رديت وقلت بتشمتوا ليه

هوا افتكرني عشان ينساني

وثمة نوع ثالث يعده العشاق أسمى معاني الغرام، وهو الحب من غير أمل.

وثمة نوع رابع بطله أديبنا الكبير المنفلوطي، الذي يتفوق فيه طيف الحبيب على الحبيب، وهو يعرّف حال هذا النوع من الحب وحاله فيقول: «أعجب ما أعرف من أمر نفسي أني أحب الجمال خيالا أكثر مما أحبه حقيقة». ويضيف: «مثلي مثل ذلك الرجل الذي أحب امرأة فاستزارها فمانعته حينا، ثم زارته، فلما رآها تركها وذهب لينام فعجبت لشأنه وسألته: ما بالك؟! فقال لها: أريد أن أنام لعلي أرى طيفك في المنام».

وفي زمن كل شيء بالواسطة، تفشت في العالم العربي تخصصات سحرية جديدة، وظهرت طبقة من السحرة مهمتها التقريب وترقيق قلب المحبوب على الحبيب، و«هنيئا لك يا فاعل الخير!»، هؤلاء الدجالون وبائعو الوهم وجدوا في جهالتنا ملاذا، وفي استغراقنا في الخرافة باب رزق، وهم في الحقيقة ليسو هبلا لينطبق عليهم المثل: «رزق الهبل على المجانين»، فهم دهاة يلعبون بالبيضة والحجر، ويجيدون نسج الخدعة بالسبع إبر.

في كل مرة أطالع خبرا في الصحافة عن القبض على بعض سحرة جمع العشاق أشعر بالخجل أن قطار حياتنا في القرن الحادي والعشرين ما زال يضم في ركابه أمثال هؤلاء السذج المتخلفين الذين يشكلون بقعا سوداء في النسيج الثقافي العام.

ويا مثبت العقل والدين.

[email protected]