ليبيا وسيناريو الرعب

TT

«العرب لا شيء.. وطز فيهم وفي جامعتهم وفي إذاعاتهم».. هكذا رد سيف الإسلام القذافي على الموقف الذي تبناه الاجتماع الوزاري للجامعة العربية بتأييد فرض حظر جوي بقرار من مجلس الأمن الدولي ودعوته لحماية الشعب الليبي واعتباره أن النظام هناك فقد شرعيته بسبب الجرائم والانتهاكات ضد السكان. وبغض النظر عن لغة الشتائم التي ينتهجها نظام القذافي ضد شعبه وضد العرب الذين انحازوا إلى صف الشعب في مواجهة المجازر، فإن هذا النظام يراهن على عامل الوقت وعلى الانقسام في المواقف الدولية، آملا أن يتمكن من استعادة السيطرة على معظم المدن التي خسرها أو على الأقل السيطرة على المواقع القريبة من العاصمة طرابلس لتأمين نفسه، وعلى المدن النفطية لاستخدامها كورقة ضغط، ولحرمان المعارضة من الاستفادة منها.

سيناريو الرعب الذي يتخوف منه كثيرون هو أن يتمكن القذافي بواسطة سياسة القصف والتدمير والترويع من إنهاء أقوى انتفاضة شعبية تواجه نظامه، أو تقسيم البلد من خلال التشبث بالسلطة في الأجزاء التي يستعيد السيطرة عليها تاركا الأجزاء الأخرى في يد المعارضة في انتظار فرصة أخرى قد تتغير فيها الأمور ويتمكن من استعادة السيطرة على هذه المناطق. فالعقيد لا يهمه أن يحكم بلدا مدمرا أو مقسما، كما لن يهمه أن يذبح شعبه من أجل التشبث بالسلطة التي يزعم أنه تخلى عنها في سبعينات القرن الماضي. وهو إن استعاد السيطرة فسينشر الانتقام وسيحكم بقمع غير مسبوق؛ لأنه سيدرك أن الهوة اتسعت بينه وبين قطاعات كبيرة من شعبه، وسيزيد اقتناعا بأن القوة وحدها هي التي ستمكنه من الاحتفاظ بالسلطة.

وإذا كان هناك من يشك فيما يمكن أن تقوم به قوات القذافي، فعليه أن يعود إلى المشاهد التي نقلها التلفزيون الليبي من مدينة الزاوية بعد أن اقتحمتها هذه القوات. فقد كانت تلك المشاهد دليلا قاطعا على سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها نظام العقيد لإنقاذ نفسه، وبرهانا على أنه لن يتوانى عن إبادة شعبه وتدمير مدن ومنشآت، في سبيل التشبث بالسلطة. فحجم الدمار الرهيب الذي حل بالمدينة كان مفجعا، حتى المسجد لم يسلم من القصف العشوائي لكتائب القذافي، بينما سويت بعض القبور بالأرض، وبدت الكثير من المباني وقد طالها التدمير على الرغم من محاولات النظام السريعة لإخفاء آثار القصف والدمار بنشر قطع من القماش بلون العلم على واجهات المباني في وسط المدينة. هذا ما سمح لنا بأن نراه، وللمرء أن يتخيل ما لم نتمكن من رؤيته في المدينة التي قطعت الاتصالات معها لكي تكتمل الجريمة في صمت. كانت استغاثات ونداءات بعض سكان الزاوية، الذين تحدثوا مع القنوات الفضائية قبل أن تنقطع الاتصالات معهم بعد دخول كتائب القذافي، ترسم صورة محزنة لحجم الرعب الآتي مع هذه القوات. فليس هناك من يشك في أن قوات القذافي ستقوم بانتقام فظيع من السكان، تنفيذا لوعيد العقيد بسحق من وصفهم بالجرذان والكلاب الضالة.

إن الأولوية الآن هي لحماية الشعب الليبي من مذابح أكيدة، وليس مفهوما أو مبررا التلكؤ والتردد اللذان نراهما في تقديم الدعم له. صحيح أنه ليس هناك عاقل يريد رؤية قوات أجنبية تقاتل على الأرض نيابة عن الليبيين، وهذا هو الموقف الذي أكدته المعارضة الليبية، ممثلة في المجلس الوطني، وأيدته الدول العربية في اجتماع مجلس الجامعة يوم السبت الماضي. وصحيح أيضا أن المرء يتمنى لو أن الدول العربية كانت تملك وحدة الصف والإرادة اللتين تتمكن من خلالهما من تشكيل قوة مشتركة ترسلها إلى ليبيا لفرض الحظر الجوي بدلا من ترك هذه المهمة إلى قوات دولية. فالعرب تمكنوا، في منتصف سبعينات القرن الماضي، من تشكيل قوات الردع العربية التي أقرتها جامعتهم وتم إرسالها إلى لبنان لحقن الدماء، لكن اليوم لا يشبه البارحة، وحال العرب الآن يجعل مجرد الاتفاق على بيان بالتأييد للمعارضة الليبية إنجازا كبيرا. أما الوصول إلى حلم التوحد في الرؤى إلى حد تشكيل قوات مشتركة فيبقى حلما في انتظار غد أفضل.

في ظل هذا الحال، ولأنه لا يمكن الوقوف متفرجين على مذبحة للشعب الليبي، لم يعد هناك مفر من طلب قرار من مجلس الأمن الدولي. والحظر الجوي لا يجب أن يعني تدخلا عسكريا واسعا في ليبيا، فهناك الكثير من الوسائل والتقنيات العسكرية المتاحة التي يمكن أن تستخدم للتشويش على نظم الاتصالات العسكرية التي تستخدمها قوات القذافي، وعلى أنظمة القيادة والتوجيه، وعلى الرادارات والكومبيوترات بما يؤثر على القدرات الجوية والميدانية لهذه القوات. كما يمكن مساعدة الليبيين بإرسال معدات عسكرية للثوار تمكنهم من مواجهة آلة القذافي العسكرية.

إن المهم هو إنقاذ الشعب الليبي من قيادته التي فقدت صوابها وكشرت عن أنيابها، معلنة تعطشها للدم وإصرارها على التمسك بالسلطة حتى لو كان الثمن هو «القتال حتى آخر امرأة وآخر طفل». ولو نجح القذافي في ذلك فإن الرسالة التي سيتلقفها كل ديكتاتور يواجه ثورة شعبه ضده، هي أن القتل والبطش والمجازر وسيلة مشروعة للحفاظ على الكراسي. وليس مستبعدا أن تجد حتى «الثورة المضادة» في مصر أو بقايا نظام بن علي في تونس تشجيعا في هذه الرسالة لنشر البلطجة والفتنة والفوضى، وستكون هذه بئس الرسالة.

[email protected]