أي أفق تتجه نحوه الانتفاضات الشعبية العربية؟

TT

هل تعثرت ثورة الشعوب العربية، بعد نجاحها في تغيير النظام الحاكم في تونس ومصر؟ أم أنها مستمرة وستقود إلى تحقيق إصلاحات سياسية ودستورية في الدول التي لم تنجح في قلب النظام فيها؟ وماذا عن موقف المجتمع الدولي - والدول الكبرى خاصة - من هذه الأحداث الإقليمية والدولية الخطيرة؟ هل هو مؤيد لها بشكل مطلق.. أم محبذ لبعضها ومتحفظ على بعض آخر؟ وماذا عن الحالة الليبية التي تحولت فيها الانتفاضة إلى بداية حرب أهلية؟ وماذا تستطيع جامعة الدول العربية، والمؤتمر الإسلامي، ومجلس الأمن، وحلف الأطلسي، أن تفعل، لكي لا تتحول الانتفاضات إلى حروب أهلية تهدد المصالح الاستراتيجية للدول، والأهداف التي رفعت الثورات شعاراتها؟

هذه الأسئلة باتت تفرض نفسها بعد مرور شهرين على ما سمي بعصر استفاقة الشعوب العربية من سباتها ورفضها الاستقرار في ظل أنظمة للحكم تكبت حريتها وتعجز عن تلبية حاجاتها أو أمانيها. ويستيقظ العالم كل صباح بين مؤمل ومتخوف من تماديها أو توقفها. وتلتقي الدول المتخاصمة، كالولايات المتحدة وإيران، على الترحيب بها، كما تفترق الدول المتحالفة في الحكم عليها. أما الإنسان العربي فيغلب عليه التفاؤل إزاء بعضها، والحيرة أو القلق إزاء البعض الآخر.

أما السؤال الأكبر أمام ما حدث ويحدث، فيبقى حول ما سيؤول إليه مصير العالم والشعوب العربية، سواء نجحت هذه الثورات في تحقيق أهدافها القريبة، أي تغيير الأنظمة، أو البعيدة، أي الانتقال من الحالات التي تشكو منها هذه الشعوب، أي التخلف الاقتصادي الاجتماعي، إلى صفوف الدول والمجتمعات الحرة والراقية والمتقدمة.

كثيرون في العالم الغربي والعالم العربي هم الذين يراهنون على الديمقراطية التي سوف تتحقق، بشكل أو بآخر، في حال انتصار الانتفاضات الشعبية على الأنظمة الحاكمة، بشكل مطلق أو بإرغامها على الإصلاح السياسي. وقليلون حتى الآن هم الذين يتخوفون - أو يراهنون - على قيام ديكتاتوريات عقائدية كتلك التي قامت في إيران بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم الشاه. لكن إذا كان هذا هو الاتجاه العام للثورة في مصر وتونس، فإن الأمر قد يختلف في اليمن والبحرين وغيرهما من الدول العربية ذات التركيبة الشعبية الخاصة بها، وذات الاقتصاد، والقوى السياسية المنظمة، والأهمية الاستراتيجية الدولية والإقليمية، المختلفة.

ثم إن الانتفاضات الشعبية على الحكم لا تقتصر على العالم العربي، بل تمتد إلى أنحاء كثيرة في العالم، حيث اتسعت رقعة الطبقة الوسطى وشريحة الشباب فيها، المتعلم والعاطل عن العمل والمطلع على ما يجري في العالم، وبالتالي الرافض للقبول بالحال التي هو عليها. ونظرا لتوافر وسائل التواصل والتحريك السياسي الإلكترونية الحديثة، بين يديه، فكأنما العالم متجه نحو «إنسانية جديدة» - كما كتبت إحدى الصحف البريطانية - تفرض على الفكر السياسي وأنظمة الحكم، أيا كانت درجة أوتوقراطيتها أو ديمقراطيتها، أن تعيد النظر في مسلمات وأساليب السياسة والحكم.

ويبقى السؤال: هل المبادئ والقيم هي التي تحرك الحكومات، أم المصالح؟ الدول الغربية تحاول التوفيق بين القيم والمصالح، مع أنها أثبتت، أكثر من مرة، أنها ضحت بالقيم والمبادئ في سبيل المصالح. وهي اليوم تعلن تأييدها لانتفاضة الشعوب العربية وغيرها من الشعوب، لكنها تخاف في سرها من أن تؤثر هذه الانتفاضة على مصالحها في الشرق الأوسط، وفي مقدمها: النفط وسلامة إسرائيل. مع العلم بأن ثمة تفكيرا منتشرا بين المحللين السياسيين الغربيين يقول إن قيام أنظمة ديمقراطية في العالم العربي سوف يسهل تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل؟ إن هذه الانتفاضات الشعبية العربية، لا سيما المصرية، من حيث نوعها ولا دمويتها، باتت تشغل العالم بأسره، لا بالنسبة لأهمية الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي الاستراتيجية فحسب، بل لأنها تشكل نموذجا جديدا للثورات الشعبية، يختلف عن نماذج الثورات الشعبية التي عرفها القرنان التاسع عشر والعشرون. كما يبقى الأفق الذي سوف تتجه إليه الأنظمة السياسية الجديدة التي ستحل محل الأنظمة التي سقطت أو ستسقط. فالبناء أصعب بكثير من الهدم، والديمقراطية رغم فضائلها وحسناتها، حمل غير حفيف، ومسؤولياتها كبيرة، لا سيما أن التحديات التي يواجهها العالم العربي، ما زالت قائمة إقليميا ودوليا.