سلاح حزب الله ليس أولوية

TT

الهجمة التي ينظمها فريق «14 آذار» ضد سلاح حزب الله واللاءات الكثيرة التي رفعها في مهرجانه الخطابي يوم الأحد الماضي، في الذكرى السابعة لـ«ثورة الأرز»، تبدو وكأنها تتجاهل التاريخ وتلغي الجغرافيا، ولهذا يمكن اعتبارها مجرد حملة للتسلية وتقطيع الوقت. وباعتراف جماهير 14 آذار أنفسهم فإن حزب الله (وليس كل فريق 8 آذار) هو اللاعب السياسي الأمهر على الساحة اللبنانية اليوم، وهذا ما يفسر ربما خفوت صوته رغم الحملة الشرسة ضده. فحزب الله قد يكون من بين القلة الذين فهموا جزءا من الدرس، رغم احتفائهم بالثورة المصرية والتونسية، وباتوا على دراية بأن ما يخطط له في القصور الرئاسية العربية - سواء كان المخططون حلفاء لهم أو مناوئون- هو رهن بما ستقرره الشعوب على الأرض، إن هي ثارت أو سكتت وربما جن جنونها. فالغضب الشعبي العربي، أصبح مفتوحا على سيناريوهات كثيرة، وقد يفتك بأي شيء.

وقبل أيام قال مسؤول من حزب الله «إن الحزب لا يستطيع أن يتخذ أي قرار بشأن سلاحه بانتظار نتائج التغييرات الحاصلة في المنطقة». وهذا كلام دقيق وواضح. فالسلاح ليس صناعة لبنانية، وبالتالي لا يخضع لموازين القوى الداخلية بقدر ما يتعلق بحالة إقليمية متكاملة تتعرض لتسونامي، يفوق زلازل طوكيو الماحقة خطورة، سواء في قدرته الهائلة على قلب تضاريس البلدان أو حتى في زحزحة موقعها على الخريطة، كما في قوة تردداته التي قد تصل إلى مناطق ليست بالحسبان.

وبما أن لبنان العظيم، جيولوجيا وسياسيا، على خط الزلازل، وليس سوى واحد من أصغر أحجار الدومينو العديدة المهددة بالتهاوي، فما على اللاعبين الرئيسيين فيه - إن كانوا يمتلكون ما يكفي من الفطنة - سوى عقد هدنة قصيرة، بانتظار ما سترسمه الزلازل المحيطة بهم من معالم جديدة، ومن ثم يعودون إلى الحلبة بكامل عدتهم وعديدهم، ليتابع من يتبقى منهم معركته الأثيرة.

وما دامت الارتجاجات تبدأ من المغرب ولا تتوقف عند حدود اليمن بل هي تجتاز الخليج لتضرب أجزاء من إيران، فليس من الحكمة، التسرع والتهور، وهدر الطاقات، المادية والذهنية، في نقاش مواضيع قد تصبح ذات معنى آخر بعد أشهر قليلة فقط.

أما افتراض أن لبنان بتركيبته الحالية المنشطرة بين 8 و14 آذار هي من الثوابت الصامدة في وجه عواصف التغيير القادرة على اقتلاع البشر والشجر، فهذا بالتأكيد من بنات مخيلة ديناصورات السياسة اللبنانية الذين يصدقون كل ما تراه أعينهم، دون أن يفقهوا شيئا في علم سيكولوجيا الشعوب.

ولمن لا يعرف، فثمة شباب لبناني يستشيط غضبا. وهؤلاء لا يوقرون الأرقام الآذارية التي اختبأ وراءها الأفرقاء اللبنانيون، ليحكموا ويتحكموا من دون برامج تنموية أو رؤى اجتماعية. هؤلاء لا يزالون قلة بالفعل لكنهم يتنامون بسرعة، وقد قرروا أن ينصبوا ألف خيمة في كل ساحة من ساحات لبنان، ليؤثروا في الرأي العام ويشرحوا للناس أن زعماء الطوائف يمتصون دماءهم وهم الذين قتلوا أولادهم بحروبهم التي لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل. الخطوات لا تزال في أولها، بعض الخيام نصبت وثمة مظاهرات انطلقت. هناك من يحاول ركوب الموجة لكنه على الأرجح سيفشل. فرئيس مجلس النواب نبيه بري يحاول تبني الحركة الشبابية، ليوحي بأنه ليس مستهدفا كغيره، لكن الشباب الذين لا يقبلون بأقل من ثورة شاملة تقضي على البنية الطائفية الحالية بكل رموزها، يردون بقسوة على صفحاتهم الإنترنتية بأنهم لن يستثنوا أحدا من الذين جلسوا على الكراسي باسم طوائفهم وانتفعوا على حساب الفقراء.

الأرض تهتز، ولا بد للساسة أن يتحسسوا رؤوسهم. فالموضوع ليس سلاحا هنا ومحكمة هناك، وبعض المهرجانات الجماهيرية التي تحشد لها الأحزاب باسم الطوائف والمذاهب. ثمة تبرم حقيقي من طائفية صارت مذهبية بين سنة وشيعة، وها هو الكلام يتكاثر عن فتنة سنية -سنية بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الذي يفترض أن يتظاهر ضده تيار المستقبل. في الوقت ذاته يرى الشباب اللبناني المتذمر النموذج المصري الذي يجمع الهلال والصليب ويصرخ هاتفا بالوحدة الوطنية.

دفع بعض زعماء الطوائف برجالهم لاستكشاف ما يحدث في اجتماع مفتوح عقده شباب الـ«فيسبوك»، ولا بد أنهم لاحظوا طاقة الغضب المتفجرة عند هؤلاء، ومع ذلك ثمة من لم يتعظ. ربما أنهم محقون، بسبب القوة الجماهيرية التي تجتمع لهم وتغشي أبصارهم كزعامات تقليدية في زمن غير تقليدي، ومع ذلك فالتغيرات التي تضرب بالمنطقة قد لا تبقى لصالحهم، أو لصالح بعضهم، وهذا سيجعل التيار الجديد قادرا على الاختراق.

لكن بالانتظار ثمة من يلعب بالنار، ويظن أن خيوط اللعبة يمكن أن تبدأ في لبنان وتنتهي فيه، وكأنه بلد مقطوع من شجرة المنطقة. لبنان قد يكون على أبواب «فيلم رعب» كما قال أحد النقابيين، وهو محق تماما. علما بأن قراءة متمعنة، لما يحدث في المنطقة قد توفر على المواطنين المساكين، حلقة مفزعة، من مسلسل طويل، لا نعرف لغاية اللحظة، كيف ستكتب نهايته؟