افهم جيدا.. تقل أخطاؤك

TT

كم من خطأ وقعت فيه كفرد أو كمهني متخصص لأنك لم تفهم جيدا ما كان مطلوبا منك فعله. مسؤولون في هيئة الصحة بإمارة أبوظبي وجدوا أن «90 في المائة من المشكلات التي يواجهونها تنبع من سوء الفهم بين الأطباء ومرضاهم misunderstandings الأمر الذي يؤدي إلى توقعات غير واقعية unrealistic expectations بالتالي تشخيص خاطئ للمشكلة. أحد المحققين في هيئة الصحة بأبوظبي بين أنه «لو أنصت الأطباء جيدا لمرضاهم لمدة خمس دقائق إضافية لفهموا ما يقلقهم أو ما يعانون منه، وسوف يحل ذلك نحو 70 - 80 في المائة من المشكلة»، على حد قوله لصحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية.

الإماراتيون أرادوا أن يدرسوا سبب مشكلة «سوء الفهم» فأجروا استطلاعا للرأي أظهر أن «الأطباء يقضون ما معدله 8 دقائق فقط مع المرضى، وهي ما تقارب نصف المعدل العالمي الذي ينصح به، وهو 15 دقيقة. وهو ما دفع فريق البحث في وزارة الصحة بإمارة أبوظبي إلى القول بأن «الوقت لم يكن كافيا لتقديم الاستشارة والرعاية الكافية».

ويبدو أن أزمة «عدم الفهم»، التي تؤدي إلى ارتكاب أخطاء كثيرة ليست مقتصرة على الأطباء بل يشاركهم فيها كثير من المهنيين والناس العاديين، إذ يخبرني خبير دولي في حوادث الطائرات، صلاح الجيماز، بأن «أكثر مشكلات سقوط الطائرات سببها سوء التواصل بين قائدي الطائرات وأطراف أخرى خارج قمرة القيادة»، الأمر الذي ينتج عنه «سوء فهم في أثناء التواصل». حتى وكالة «ناسا» الفضائية أكدت أن أكثر حوادث المركبات تكون ناجمة عن سوء التواصل أو سوء الفهم.

وفهم المطلوب يحفظ أوقاتنا الثمينة. أذكر أنني عندما ذهبت لاستخراج رخصة قيادة في الولايات المتحدة كان يستقبل كل المراجعين مسؤول، ضليع على ما يبدو في عمله، ليسألهم عن هدف الزيارة، ثم يظلل لهم باللون الأصفر الفسفوري البيانات التي يجب عليهم ملؤها ثم يسلمهم رقمهم المسلسل للجلوس في قاعة الانتظار وتعبئة البيانات المطلوبة. هذا التصرف بسيط لكنه يوفر وقت الموظفين والمراجعين حتى لا يكرروا أسئلة بديهية أو ينسوا الإجابة عن نقاط مهمة فيؤخروا المنتظرين خلفهم.

وكم من مشادات كلامية نشبت بين الزوجين والأصدقاء والأقرباء بسبب «سوء الفهم»، إذ يتسرع البعض بإعلان الحرب على الآخر قبل أن يستوضح ماذا كان يقصد محدثه أو من أرسل إليه رسالة نصية ربما خانه التعبير فيها. ويبقى حسن الظن عاملا أوليا مهما قبل التسرع باتهام الآخرين.

ومحاولة تقليل مشكلة عدم الفهم توفر أموالا طائلة على القطاعين الخاص والعام، فلو افترضنا أنه في كل يوم يتم ارتكاب خطأ واحد يكلف نحو 10 دولارات، وكان هناك مليون موظف في القطاعين الخاص والعام، فإن القيمة الإجمالية لهذا الخطأ في يوم واحد فقط هي 10 ملايين دولار، غير أننا يصعب علينا أن نجد دراسات متخصصة تظهر لنا الوقت الذي نهدره بسبب عدم فهمنا للطرف الآخر أو تداعيات استهانتنا بالساعات الضائعة من أوقات الموظفين.

ومما يثير الاستغراب حقا، أن يتردد أو يتحرج الإنسان من السؤال عن شيء أشكل عليه فهمه رغم أن تداعيات عدم الفهم كبيرة. فكم من موظف ارتكب خطأ جسيما أفضى إلى فصله أو إنذاره أو توبيخه لأنه كان يستحيي من طرح السؤال! وصدق القائل: «اثنان لا يتعلمان: مستح ومستكبر».

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]