التاريخ يقف في صف اليابان

TT

قبل انعقاد مؤتمر صحافي خلال عطلة نهاية الأسبوع، أصدر رئيس الوزراء الياباني «ناوتو كان» بيانا بسيطا قال فيه: «أعتقد أن الزلزال والتسونامي والموقف القائم داخل المفاعلات النووية تشكل أسوأ أزمة نواجهها منذ الحرب العالمية منذ 65 عاما. وإذا تضافرت جهود الأمة، سنتغلب عليها».

ويوحي التاريخ، والأبحاث الجارية حاليا حول قدرة البشر على الصمود، بأن رئيس الوزراء الياباني محق. ففي الواقع يوحي التاريخ والأبحاث بأن اليابان ستخرج من هذه الأزمة خلال السنوات المقبلة، أقوى، وليس أضعف، مما كانت عليه.

ففي السنوات الأخيرة، تمخضت الأبحاث حول اضطرابات ما بعد الصدمة عن مصطلح ومجال بحثي جديدين: «نمو ما بعد الصدمات». صاغ هذا المصطلح دكتور ريتشارد تيديتشي، بروفسور علم النفس بجامعة نورث كارولينا في تشارلوت، وشارك في تأليف «المرشد لنمو ما بعد الصدمات». ويشير المصطلح الجديد إلى أن مواجهة صدمة قاسية قد تؤدي إلى تغييرات شديدة الإيجابية في الأفراد. كما أنها قد تعزز قدرتهم على الصمود أمام المصاعب التي يجابهونها لاحقا.

اليوم، يعتقد بعض الباحثين أن نمو ما بعد الصدمات أكثر شيوعا بكثير عن الاضطرابات طويلة الأمد لما بعد الصدمات. ويرون أن القاعدة هي أن يتكيف المرء وينمو في أعقاب الصدمات. وليس من قبيل المصادفة أن هذه الظاهرة تحديدا تشكل إرث اليابان والعرف الثقافي السائد بها.

وأكدت أبحاث أجريت بشأن أسرى حرب قضوا ما يصل إلى ثمانية أعوام في سجن «هانوي هيلتون» سيئ السمعة في فيتنام، أمرين: أن غالبية من خاضوا هذه التجربة شهدوا نموا إيجابيا (وبلغ معدل اضطرابات ما بعد الصدمات 4 في المائة فقط)، وأن أولئك الذين عانوا الصدمات الأقسى - بينها التعذيب المتكرر والتجويع والحبس الانفرادي والإصابات البدنية على مدار سنوات عدة - شهدوا المستوى الأعلى من النمو الشخصي على امتداد العقود التي أعقبت إطلاق سراحهم. وعلى الرغم من أن أحدا منهم لم يبد رغبته في خوض تلك التجربة مجددا، فإن عددا منهم قال إنه أصبح أقوى وأفضل بسببها.

خلال الشهور والسنوات المقبلة، سيواجه أكبر ثالث اقتصاد في العالم، الذي يعاني مشكلات بالفعل، مزيدا من التحديات. إلا أن قوة العمل اليابانية ذات المستوى التعليمي المبهر والإنتاجية المرتفعة والالتزام في العمل ستجد أمامها أيضا مشاريع إعادة إعمار وبناء وتطهير توحد صفوفها. ولا يمكن التقليل من حجم الدافع الاقتصادي والنفسي الذي ستوفره هذه المهام، على الرغم من إدراكنا حجم المأساة.

يذكر أنه منذ فترة ليست ببعيدة، وبينما كانت عدسات كاميراتهم تجوب مظاهر الدمار الذي خلفه إعصار كاترينا، أعلن مراسلو التلفزيونات المختلفة أن أبناء نيو أورليانز ربما لا يستعيدون قط سالف مجدهم، بل أعلن قليل منهم أن المدينة ولى عهدها إلى الأبد.

اليوم، تبدو هذه التوقعات خالية من أدنى منطق. إن القرون التي خاضتها نيو أورليانز في شظف العيش تزامن معها قدر هائل من المصاعب الحياتية، من أعاصير وفيضانات وأوبئة وعدة حروب، بجانب مصاعب أخرى. وبالنسبة لمن يدرسون قدرات المجتمعات البشرية على الصمود، فإن إعلان مثل هذا الرهان على مدينة بهذا التاريخ لم يكن خطوة حكيمة.

بعد الخسارة الفادحة في الأرواح (3 ملايين نسمة طبقا لبعض التقديرات) والممتلكات جراء الحرب العالمية الثانية، أعادت اليابان بناء نفسها لتصبح واحدة من أكبر القوى الفكرية والاقتصادية والصناعية بالعالم. ومن دون أن يقلل ولو للحظة واحدة فداحة الكارثة الراهنة، أو المآسي الإنسانية الكامنة وراءها، عرض رئيس الوزراء الياباني واحدة من السمات المميزة للقيادة في أوقات الأزمات عبر تذكير أبناء وطنه بتاريخهم.

عبر إثارته في الأذهان تاريخ اليابان من صمود وعزيمة، تحول «ناوتو كان» لاستغلال واحد من أهم عوامل الصمود البشري: إدراك نقاط القوة والمعرفة والجرأة على المضي قدما، نظرا لأنك سبق ومررت بمحن في حياتك وخرجت منها سالما.

خلال هذه المراحل الأولى، يبدو أن الأعراف الثقافية اليابانية توفر بعض أهم المصدات اللازمة في أعقاب كارثة بهذا الحجم.

عام 2007، طورت لجنة من خبراء قائمة بخمسة شروط يتعين توفيرها خلال المراحل الأولى من الصدمات العامة: 1) شعور بالسلامة، 2) الهدوء، 3) شعور بقوة الذات والمجتمع، 4) القدرة على التواصل، 5) الأمل. وبالنظر إلى المقاطع المصورة لليابانيين في أعقاب الفجيعة التي ألمت بهم، من الواضح أن الكثير من هذه العناصر متوافر بالفعل.

وتكمن المفارقة في أن اليابانيين الأكبر سنا ربما يشكلون عنصر قوة في مواجهة الكارثة الراهنة، ذلك أنهم يتمتعون بالخبرة الأكبر في مواجهة التحديات. في الواقع، ينبغي أن تخرج اليابان في غضون السنوات القليلة المقبلة كقوة عالمية أقوى وأكثر قدرة على المنافسة.

* بيتر فريتويل وتايلور بولدوين كيلاند شاركا في تأليف كتاب من المقرر طرحه في الأسواق قريبا حول الصمود ونجاح أسرى الحرب الأميركيين في فيتنام.

* خدمة «نيويورك تايمز»