مع الأسف ـ أكرر مع الأسف

TT

مقولة: (يا ما في السجن من مظاليم)، صحيحة جدا، بل ومؤكدة، وأصح منها هي مقولتي: (يا ما في خارج السجن من ظلمة وقتلة ومفترين).

وها هي المحكمة في إسبانيا تسجن (خوسيه كارنيرو) وهو صاحب ملهى ليلي بتهمة قتله امرأة عاملة لديه، وتحكم عليه بالسجن 17 سنة، ولكنها بعد ثلاث سنوات أطلقت سراحه بحجة انعدام الأدلة الكافية لإدانته، وبالفعل خرج من السجن، ولكنه بعد أيام قليلة تحرك ضميره، وأدلى بحديث لإحدى الصحف وقال بالحرف الواحد: «حقا لا يوجد دليل على أنني قتلتها، لكنني أنا الذي اقترفت ذلك الجرم».

وأثار هذا الاعتراف دهشة الأوساط الحقوقية والقضائية الإسبانية، وأثار كذلك استياء الكثير من المواطنين.

إلى هنا والموضوع قابل للفهم، غير أن (اللامعقول) هو ما أدلى به (المدعي العام) عندما قال: «إن التصريحات الصحافية لا تؤثر في قرار المحكمة، لأنها أعلنت نهائيا وبرأت المتهم لنقص الأدلة، وأما اعترافه المتأخر فلا يعدو أن يكون غير (كلام فاضي)».

وهو ذكرني بالهدف الماكر الذي سجله اللاعب الفرنسي (هنري) في المرمى (الآيرلندي) بيده، والذي كشفته وفضحته جميع كاميرات العالم التلفزيونية، ومع ذلك انخدع الحكم وحسبه هدفا صحيحا، وهو الذي أدخل فرنسا وأهلها زورا وبهتانا للعب في كأس العالم بجنوب أفريقيا.

وبعد أن انتهت المباراة ورقص الفرنسيون فرحا في الشوارع احتفالا بذلك الفوز الزائف والظالم، اعترف اللاعب الجبان (هنري) مؤخرا لوسائل الإعلام بأنه لمس الكرة بيده.

طبعا اعترافه ذاك لا يقدم ولا يؤخر، ولن يمحو وصمة العار التي كتبت في سجل تاريخه، وهو يختلف جملة وتفصيلا عن ذلك اللاعب في الدوري البرازيلي عندما احتسب له الحكم هدفا سجله في مرمى الخصم، غير أن ذلك اللاعب الشجاع اتجه للحكم، قائلا له إن الهدف الذي سجله غير صحيح لأن الكرة لم تدخل بكاملها في المرمى، غير أن الحكم العنيد (النزيه) رفض أن يرجع في كلامه.

وما أن (سنترت) الكرة في وسط الملعب، حتى أتى ذلك اللاعب الشجاع وركل الكرة بكل قوته إلى خارج الملعب معلنا رفضه واحتجاجه، فما كان من الحكم الجهبذ إلا أن يشهر في وجهه البطاقة الحمراء معلنا طرده، وخرج اللاعب وسط تصفيق الجماهير التي أخذها الحماس إلى درجة أنها دخلت إلى الملعب وكادت تفتك بالحكم لولا تدخل رجال الأمن وأوقفت المباراة.

والغريب أن اتحاد الكرة البرازيلي - ومع ذلك - اعتبر الهدف صحيحا، رغم أن الذي أدخله يقول بعظمة لسانه: إنه غير صحيح!!

السؤال هو: لماذا لا تدخل (التكنولوجيا) الحديثة، بكل وسائلها وعيونها التي لا تخطئ، لماذا لا تدخل كحكم مرجح، بدلا من أن يترك الأمر لحكم بشري قد تزوغ عينه فيتخذ قرارا خاطئا، وبعد ذلك يركب رأسه.

هذا هو ما يخص كرة القدم التي هي مجرد (لعب)، ولكن ماذا نقول عن المحاكم التي تختص بالحياة والموت؟!، وهل هناك من (تكنولوجيا) أرضية أو فضائية تستطيع أن تنصفنا بالعدل؟

صدقوني ليس هناك فرق كبير بين (اللعب والجد) في هذه الدنيا، كما أنه ليس هناك فرق كبير بين (هنري) اللاعب التعيس وبين أي مجرم يسرح ويمرح بيننا ويشار له بالبنان على أنه من رجال المجتمع، وأخيرا وليس آخرا: ليس هناك فرق كبير بين ذلك (الحكم البرازيلي) وبين الكثير من القضاة مع الأسف - أكرر مع الأسف - ليس من أجل لعبة كرة القدم، ولكن من أجل (لعبة الحياة).

[email protected]