النتيجة

TT

الآن صار يقرأ البيانات في الخباء. الذين اعتقد أنه كسب ودهم لم يدرك أن الود غير الولاء. في خطاب قال للقطريين «يا إخواننا في الخبز والملح»، وهو يعرف أن الملح ذاب على جروح شعبه. وفي خطاب قال ابنه إنهم مولوا الحملة الانتخابية في فرنسا. والخطأ خطيئتان: بأي آداب يكشف سر الدولة، وبأي صفة تصرف بأموال الشعب الليبي. وقد كان رد قطر أن قررت مشاركة التحالف في قصف قواته، وكان رد فرنسا قمة باريس وأول ضربة جوية على دباباته الهاجمة على مدينته وأهله في بنغازي، التي من ثكنتها استولى على الحكم.

في غيبوبة الخيبة، نسي أن زمنه انقضى وأن عصره هوى. أصبح الناس مواطنين، لا جرذانا ولا كلابا ولا جراثيم. ولا طبعا أغبياء يمكن الضحك عليهم بمجموعة مسميات لفظية سقيمة. يريدون شعبا حرا لا ضباطا أحرارا. ويريدون دولة صحيحة لا ثورة تستبيح كرامة الداخل وأمن الخارج. ويريدون حكما يعيد ليبيا إلى علاقة سوية بالعالم لا إلى علاقة مقايضات، بين الجريمة والثمن.

في يوم يسميهم مهلوسين وفي اليوم التالي يخطب فيهم قائلا: ارقصوا وغنوا. وفي الثالث خونة. وفي الرابع يطاردهم إلى كل بيت وكل شارع وكل زنقة. ما من خطاب كان فيه لهجة رجل الدولة. وفي كل خطاب تأكد لنا أن الشعب يحبه، أما هو، فأي مشاعر يكن للشعب؟ أي شعب سوف يحكم بعد عروض الدبابات والبوارج ومقاتلات الميغ، التي تفرج عليها الروس وهم يمتنعون عن التصويت في مجلس الأمن؟

قارئ غير حاذق للسياسات الدولية، وقف يعرض على البرازيل أن تأتي وتدير النفط، وبعد يومين كان باراك أوباما في البرازيل يعلن منها أن العمليات ضد كتائب القذافي قد بدأت. لم يستطع الخروج من عالم 1969. عالم «الألوية الحمراء» و«بادر ماينهوف». فهم الثورة على أنها البقاء والإلغاء. لا شيء غيره ولا أحد سواه. ليس حاكما يخطئ بل هو قائد معصوم يقطن في خيمة نقالة يثار حوله الضجيج والحكايات كلما أراد نصبها في عاصمة غربية.

ولم تكن العواصم أقل تقلبا. ساومته على ضحاياها، في واشنطن وباريس. ونسيت لندن الشرطية فلتشر التي قتلها «دبلوماسيو» سفارته من الإخوة أعضاء اللجنة الشعبية. وجاءه طوني بلير إلى خيمته في سرت ثم كر خلفه الآخرون. واكتشفت واشنطن لغة جديدة تخاطبه بها، غير لغة رونالد ريغان.

من المسؤول عما آل إليه الوضع في ليبيا؟ أن يهزج الليبيون لأن الصواريخ تقصف قواعد العقيد؟ هل لأنهم صمتوا أربعين عاما بسبب ضيق المنفى وسعة السجون؟ هل بسبب تكاذب الأمم وجبنها؟ هل لأن الأخ القائد أعطى الحكم للشعب والكتائب لأبنائه؟