حلال على اليونان.. حرام على البحرين!

TT

يبدو السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، مدعوا إلى اتخاذ موقف عاجل وسريع، إزاء ما يجري في البحرين، لا يقل بأي حال عما سبق أن اتخذه تجاه الوضع في ليبيا. فأي متابع لما يدور في المنطقة سوف يكتشف أن خطورة الأمور في المنامة تكاد تفوق مثيلتها في طرابلس الغرب الليبية، مع فارق مهم طبعا، هو أن السلطة في البحرين لا تطارد أبناءها ومواطنيها، ولا تلاحقهم، ولا تقتلهم، أو على الأقل لا تبدأ بذلك، وإنما العكس تقريبا هو الحاصل، بمعنى أن بعض مواطني الدولة، في البحرين، يخرجون عليها، ويشاغبونها في الشوارع والميادين، ويرفضون، لسبب غير مفهوم، الجلوس معها على طاولة حوار واحدة!

وحين يقال إن عمرو موسى مدعو لمساندة البحرين، بأسرع وقت ممكن، وبكامل كيان الجامعة، فإن هذا لا ينفي أن الدولة ذاتها تلقى، حاليا، مساندة أخرى من جانب مجلس التعاون الخليجي، لا تقل عن المساندة المفترضة لها، من جانب جامعة الدول، لولا أن الحقائق الثابتة، حول إسراع دول مجلس التعاون الست، لمساعدة البحرين، تبدو غائبة حينا، ومخلوطة ببعضها البعض، حينا آخر!

فحين ذهبت قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين، قبل أيام، لمنع عدوان طائفة من أبناء البحرين، على طائفة أخرى، لم تكن، كما يجري تصويرها للرأي العام، قوات سعودية خالصة، وإنما هي قوات تتبع مجلس التعاون، وهو مجلس، كما نعرف جميعا، يضم ست دول هي: السعودية، الإمارات، عمان، البحرين، قطر، الكويت.

وحين نشأت قوات «درع الجزيرة» بين هذه الدول، فإنها لم تنشأ من فراغ، ولم تظل معلقة في السماء، من دون أسس تقف عليها، فوق الأرض، وإنما كانت هناك أسس، وكانت هذه الأسس متمثلة في اتفاقات أمنية، بين الدول الست، بما يسمح بنجدة أي دولة منها، بواسطة هذه القوات، عند الضرورة التي لا تحتمل التأجيل!

لذلك، فإن كلام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، عن أن ذهاب القوات يمثل غزوا أو تدخلا سعوديا، إنما هو كلام أقل ما يوصف به أنه يخالف الحقيقة، التي يجب شرحها للناس بكل وضوح، حتى لا تختلط الأمور، بعضها ببعض، في قضية على هذا المستوى. ويكفي أن يشار هنا - على سبيل المثال - إلى أن الرئيس الإيراني يقول إن إسراع قوات «درع الجزيرة» لنجدة البحرين، مسألة مدبرة من صنع الولايات المتحدة الأميركية، وهو كلام إذا لم يدل على سوء فهم، فإنه يدل على سوء قصد؛ لأن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، قالت بأوضح لسان: إن دول مجلس التعاون سلكت الطريق الخطأ، بإرسال قوات إلى المنامة، وكان الأجدر، من وجهة نظر الوزيرة الأميركية، أن يجري حل المشكلة في البحرين بالحوار، وليس بإرسال قوات.. وهذا الكلام، هو الآخر، لا يدل فقط على سوء فهم، ولا يقفز فقط فوق حقائق واضحة، وإنما يتعامل مع الأمر في البحرين بالشيء ونقيضه، بما يؤدي إلى فقدان السياسة الأميركية مصداقيتها من جديد.. وإلا.. فما معنى أن يقول البيت الأبيض، في يوم: إن إرسال قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين ليس اعتداء ولا غزوا، ثم تقول وزيرة الخارجية، في البيت الأبيض نفسه، في اليوم التالي: إن الدول التي أرسلت قوات قد اختارت الطريق الخطأ؟! وكيف يمكن أن يكون إرسال هذه القوات صناعة أميركية، كما يقول نجاد، في الوقت الذي يسمع فيه العالم كله، ثم يقرأ، تصريحات الوزيرة الأميركية عن خطأ مسلك دول مجلس التعاون؟! أين المنطق في كلام رئيس إيران؟ وأين العقل في الخطاب الأميركي، الذي يقول الشيء وعكسه، في وقت واحد، وتجاه قضية واحدة؟!

الخلط من جانب طهران، في قضايا تخص المنطقة العربية، ولا تخص إيران بأي درجة، ليس جديدا؛ فهو قديم ومرصود ومكشوف، وتتداعى أركانه عند أول نقاش.. لكن العجيب، والغريب حقا، هو هذا الموقف الأميركي المتردد، ونكاد نقول المتخبط، لا لشيء إلا لأنه يغازل طهران، بإحدى عينيه، ثم يغازل العواصم العربية، بالعين الأخرى!

وإذا كان هذا هو مسلك صانع القرار الأميركي، فصانع القرار في واشنطن حر في مسلكه، ليبقى الأهم منه مسلكنا نحن في الموضوع نفسه؛ لأن البحرين إذا كانت عضوا في مجلس التعاون الخليجي، فهي، في الوقت ذاته، عضو في جامعة الدول العربية، ولا يمكن لجامعة الدول أن ترى وتتابع ما تتعرض له البحرين من أخطار تهدد بنيان الدولة ثم تقف لتتفرج، ففي إمكانها، والحال كذلك، أن تعيد ترتيب الأوراق المختلطة، بعضها ببعض، في الملف من أوله لآخره، ثم تبعث برسالة إلى العالم كله، عن الحقيقة في البحرين، لا الخيال الذي تروج له إيران، ووقتها، سوف تكون الرسالة عليها توقيع 22 عاصمة عربية، وليس فقط ست دول هي دول مجلس التعاون!

في صيف هذا العام، كانت اليونان قد تعرضت لأزمة اقتصادية كادت تعصف بها، وكادت أثينا تعلن إفلاسها، وكانت على مرمى حجر من حافة الإفلاس، ولم يكن هناك حل إلا أن تسارع الدول، التي يعنيها الأمر، إلى مد يد المساعدة لليونان، وهو ما حدث بالفعل من جانب الاتحاد الأوروبي الذي يضم اليونان في عضويته، وكانت أزمة اليونان، طوال الصيف، تشغل العالم، وتملأ الأجواء، ولولا مساعدة الاتحاد الأوروبي العاجلة، لكانت اليونان، الآن، ربما في عداد الدول الفاشلة!

صحيح أن أزمة اليونان، في ذلك الوقت، كانت اقتصادية في الأساس، وصحيح أن أزمة البحرين كانت، ولا تزال، أمنية في الأساس، لكنها، في الحالتين، أزمة حادة، لا تستطيع البحرين أن تواجه تداعياتها، بمفردها، بمثل ما أن اليونان كانت عاجزة عن مواجهتها وحدها، وكان لا بد من عون خارجي، فجاء سريعا من الاتحاد الأوروبي هناك، ثم جاء سريعا أيضا، من مجلس التعاون هنا!

لم نسمع، في حالة اليونان، عن أن تركيا، مع ما بينها وبين اليونان من مشكلات تاريخية، قد اعترضت على تدخل الاتحاد الأوروبي لنجدة اليونان، لكننا سمعنا عن إيران، التي لا تعجبها إغاثة مجلس التعاون للبحرين، وتراها تدخلا لن تسكت عنه، على حد قول رئيسها نجاد، وهو قول يبدي مصلحة بحرينية، لبعض أبناء البحرين، ويخفي مصلحة إيرانية خالصة، لا علاقة لها بالبحرين، ولا بأبناء البحرين، كلهم، أو بعضهم، تماما كما أن المنهج الأميركي في التعامل مع المسألة، يخفي مصلحة أميركية مجردة لا تأبه بالبحرين، ولا بأبنائها كلهم أيضا، أو بعضهم!

النجدة ليست حلالا على اليونان، وحراما على البحرين، وإذا كانت الولايات المتحدة تخلط الحلال - هنا - بالحرام، ومعها إيران، فلا يجوز لجامعة عمرو موسى أن تسكت على خلط من هذا النوع!