جولة في يوم الجمعة السعودي

TT

مساء تلك الجمعة المطيرة بالأخبار السعيدة، التي أعلن فيها العاهل السعودي قرارات إصلاحية وتنموية بقيمة 350 مليار ريال، في وقت متأخر من ذلك المساء، كانت قد انتشرت عبر البلاك بيري رسائل تعبر عن ردود الأفعال المبتهجة بالأوامر الملكية، إلا أن إحدى هذه الرسائل المثيرة للتوقف عندها كانت بالنص التالي: «أيها الشعب السعودي الكريم، بعد الأوامر الملكية التي جاءت في الساعة الثانية ظهرا، جاء إلحاقا أن المتقاعدين مشمولون بها أيضا، ثم تبعها إجازة للطلاب والطالبات، لذلك لا ننصحكم بالنوم، فقد يكون هناك المزيد عند الفجر»..

في العرف الإداري، التوقعات من أكثر الأمور حساسية وتأثيرا على أداء الموظف، لأنها قد تكون محفزة إن توافقت مع الواقع، وقد تكون عاملا محبطا لو كانت ذات سقف مرتفع عن أرض الواقع. والأكثر خطورة لو كان الموظف أو المستهلك أو المواطن، بلا توقعات. أي أن يكون محبطا لدرجة أنه لم يعد يهتم أن يتوقع شيئا.

السعوديون تجمهروا حول شاشات التلفزيون للاستماع لكلمة الملك والأوامر التالية لها، والكلمة في مضمونها شكر للمواطنين على ولائهم وإخلاصهم لقيادتهم، وقد حملت طابعا عاطفيا صادقا وصلت مباشرة لوجدان المواطنين والمواطنات، خاصة الأمهات اللواتي تفاعلن بالبكاء حينما طلب الملك من مواطنيه أن لا ينسوه من الدعاء.

توقعات السعوديين كانت متذبذبة ما بين متوسطة ومرتفعة، هذا لأن الملك للتو أصدر أوامر ملكية لمشاريع تنموية وتسهيلات بقيمة 135 مليار ريال، بعد شهرين من إعلان الميزانية العامة للدولة بقيمة إنفاق 580 مليار ريال، فماذا يمكن أن تحمل هذه الأوامر الجديدة؟

حتى ترتيب عرض الأوامر الملكية كان ذكيا، لأنه بدأ بإسعاد شريحة واسعة من المواطنين المدنيين والعسكريين بمكافأة راتب شهرين، ثم أسعدت ذوي الأجور المتدنية بتحديد 3000 ريال كحد أدنى للأجر، بعدها دخلنا في عرض للأرقام الفلكية؛ 250 مليارا لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية. ولأن الأرقام الفلكية تفتح بابا للشكوك والتساؤلات، جاء سريعا بعدها أمر إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد مرتبطة شخصيا بالملك، هذا الخبر هدأ من توجسات الناس وأسكت الظنون.

تنظيم هيئة مكافحة الفساد الذي سيصدر من مجلس الوزراء خلال 3 أشهر هو الضامن لتنفيذ كل الأوامر الملكية السابقة والحديثة، وهو الحارس على المال العام، وهو عين الملك التي تلاحق تنفيذ كل مشروع حكومي. أيضا الهيئة التي ستستقبل حال بدء عملها كل المشاريع الحكومية المعتمدة للتأكد من سلامة تنفيذها وتشغيلها وصيانتها، ستحتاج في ذاتها لكادر بشري كبير ومؤهل لفحص ومتابعة هذا الكم الهائل من المشاريع التنموية، فإن احتاجت وزارة التجارة إلى استحداث 500 وظيفة لمراقبة الأسعار فلن تقل حاجة هيئة مكافحة الفساد عن ذلك، لضرورة أن يكون للهيئة فروع في المدن الرئيسية في المملكة. أما ارتباطها بشخص الملك فهو نوع من الحماية وإضفاء القوة، وتأكيد على أن كل الجهات الحكومية بلا استثناء هي موضع مساءلة ومحاسبة.

وبمقدار ما ستتمتع به الهيئة من سلطة وحرية حركة وصلاحيات واسعة، ستكون صماما للأمان.

من المفرح أيضا أن تناولت الأوامر الملكية البنية التحتية في كل مناطق المملكة والمتعلقة بشكل خاص بالصحة، حيث يشتكي المواطنون في جيزان والباحة والجوف ومناطق أخرى من المملكة من ضعف الرعاية الصحية وقلة المستشفيات أو سوئها.

وأما ما يخص الشأن الديني فلم يكن مستغربا الدعم الكبير للدعوة والإرشاد وبناء المساجد وتحفيظ القرآن الكريم؛ فهو جزء لا يتجزأ من الواجب الذي التزمت به الحكومة السعودية تجاه كل ما هو إسلامي، كما أن المجمع الفقهي السعودي دليل سماحة ومرونة في العمل لضم الفقهاء السعوديين على اختلاف مذاهبهم الغنية لتصب في مجمع فقهي واحد يكون ملتقى علميا ومرجعا دينيا لدراسة محدثات العصر وموقف الإسلام منها، وهو ما أتوقع أن يكون له تأثير كبير على مستوى الأمة الإسلامية حتى وإن حمل هوية محلية.

وعن استحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية، والنظر في الاحتياجات الصحية والإسكان للقطاع العسكري فهو أمر تتطلبه المرحلة، وتتطلبه حاجة دولة مثل المملكة هي هدف للإرهاب والمخربين، ومحاطة بنقاط ساخنة وصلت مؤخرا للغليان، كما أن قوة هذا القطاع هي قوة لمنظومة مجلس التعاون الخليجي.

أما الأمر الملكي المتعلق بالسعودة وتوطين الوظائف، وعلاقته بمكافحة البطالة، فالحديث عنه يتبع..

* جامعة الملك سعود

[email protected]