كيف نقسم الكعكة؟

TT

من مآثر النظام الملكي في العراق إحساسهم بمشكلة تقسيم الكعكة، ثم محاولة معالجتها؛ بحيث لا تشتكي طائفة أو عشيرة أو أي فرد من الظلم أو التمييز. فوضع وصفة لا تقضي على الضيم والشكوى فقط، بل ترفع مستوى الكفاءة والإنتاجية والاعتماد على النفس، وتحد من الفساد.

أسسوا مجلس الخدمة من أعضاء عرفوا بالنزاهة والخبرة والخدمة القضائية. كلما احتاج وزير لموظف أو مدير من أي درجة، فعليه أن يفاتح المجلس بحاجته وتفاصيلها. يقوم عندئذ المجلس بالإعلان عنها. يتقدم الراغبون بطلباتهم مع شهاداتهم ومؤهلاتهم. يعطى كل متقدم رقما سريا. تجرى لهم الامتحانات المناسبة. يقوم بتصحيح إجاباتهم أشخاص مجهولون، على نحو ما يجري في امتحانات البكالوريا. ينظر المجلس في النتائج والمؤهلات ويقرر من هو أكثر صلاحا للوظيفة. يقوم بترشيحه للوزير الذي عليه أن يلتزم بقرار المجلس. وإذا عانى أي موظف من غبن أو تعسف، فما عليه غير أن يقدم شكواه بصورة سرية للمجلس الذي يقوم بالتحقيق في الأمر. فيحق الحق ويزهق الباطل.

لا يبقى تحت هذا النظام أي مجال للشكوى من الاضطهاد الطائفي أو العنصري أو المحاباة. وهو يضمن الحصول على أكفأ الموظفين. العيب الرئيسي فيه هو أنه قد يؤدي إلى غلبة مجموعة من الناس بسبب مؤهلاتهم وقدراتهم، مثلا المسيحيون على حساب المسلمين. ولكن هذا العيب يختفي تدريجيا بإشاعة التعليم للجميع وحث الناس عليه وعلى المثابرة.

لسوء الحظ لم يدم المجلس طويلا ليترسخ؛ فقد جاءت ثورة 1958 وقضت عليه، فالثوار لا يحبون التقيد بالقانون فتقاسموا المناصب فيما بينهم.

يحل مجلس الخدمة مشكلة العدالة ولا يحل مشكلة البطالة؛ فهي تتطلب حلولا أوسع. أولا ينبغي تبني اللامركزية بتوزيع الكعكة على الأرياف بمدها بسائر الخدمات والنشاطات، على نحو المتبع بسلطنة عمان، ونقل الصناعات والمؤسسات الحكومية إليها، فينتقل ابن المدينة للريف بدلا من هجرة الريفي للمدينة، ثم دعمه في مواصلة مهنة أجداده بالزراعة والرعي والحرفيات.

تتطلب مناهج الدراسة تغييرا جذريا بتقليص كل هذه الدروس العقيمة واستبدال العلوم والتكنولوجيا والفنون والحرف والرياضة بها، وتدريس كل ذلك بروح العصر والعلمانية وحرية التفكير؛ بحيث يعتمد الشاب على قوة العقل والمنطق في حياته، فلا يذهب لساحر أو كاهن يكتب له تميمة. التسلح بمؤهلات عملية وعقلية علمية يمكن الشاب من العمل في سائر الميادين الصناعية والتجارية والسياحية والإعلامية داخل الوطن وخارجه.

الأعمال تتطلب التنمية، والتنمية تتطلب الاستقرار وسيادة القانون، وهما أساس لجلب الاستثمارات الأجنبية التي توفر العمل للعاطلين. لن يتوفر الاستقرار دون نبذ العنف والتعامل مع السلطة بالحوار والجهاد المدني وحرية الصحافة والفكر. بنبذ العنف تقل الحاجة للنفقات العسكرية فينقل التوفير للمشاريع المدنية.

تحتاج البلدان التي تعاني من كثافة سكانية لإجراءات شجاعة تحد من النسل على نحو ما فعلته الصين. يجب إخضاع هذا الموضوع، ككل المواضيع، لسنن العلم والعقل. هذا ما أوصانا به الله تعالى.