مستقبل مصر غامض ومقلق

TT

في مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، وجد أحد المارة دفاتر الاستفتاء المصري بعد أن صوت عليها المواطنون ملقاة في المسجد؛ حيث استبدلت بالدفاتر الحقيقية دفاتر مزورة أو مسودة سلفا بـ«نعم»، وسلفا ليس من السلفية، ولكن بمعنى أن هناك جماعات في مصر من الذين كانوا يبدلون صناديق الاقتراع في عهود مبارك والسادات وعبد الناصر، يبدلون بالصناديق التي تعكس الرغبة الحقيقية صناديق أخرى مزورة، ما زالوا موجودين في مصر ويمارسون المهام القذرة نفسها. إذن كان مظهر الاستفتاء في مصر وخروج الملايين في الشوارع للإدلاء بأصواتهم بشكل حر لأول مرة منذ عام 1952، كان مظهرا مشرفا، لكن مخبر نتائج الانتخابات كان غير ذلك. إن مخبر الانتخابات وجوهرها هو تبديل الصناديق، وهذا كان واضحا في بعض الدوائر وبشهادة الشهود، وبالفيديو المرفوع على الـ«يوتيوب» من مسجد رابعة العدوية. وهذا يوحي، أول ما يوحي، بأن أمن الدولة القديم، الذي كان مسؤولا عن تزوير كل شيء في مصر، ما زال قائما ويؤدي مهامه بالطريقة القديمة نفسها. إذن لا جديد تحت الشمس بعد 18 يوما هزت العالم ولم تهز أمن الدولة أو النسق الثاني من الحزب الوطني.

ما معنى نتيجة الاستفتاء الذي أجري في مصر يوم 19 مارس (آذار) 2011، التي قال فيها ما يقرب من 80%: «نعم»، و20%: «لا»؟ يعني هذا، أول ما يعني، أن مصر دخلت نفق الطائفية، فواضح أن أقباط مصر، الذين تبلغ نسبتهم 12% من تعداد السكان، أضف 3% لهامش الخطأ، واضح أنهم صوتوا بــ«لا»، أما بقية المسلمين فصوتوا بـ«نعم»، باستثناء نحو من 7 إلى 10% من المصريين الليبراليين الذين صوتوا بـ«لا». إذن نحن أمام حالة استقطاب طائفي، لو كانت نتيجة التصويت في الاستفتاء صحيحة. وكما عرفنا أن أمن الدولة، بقيادة اللواء حبيب العادلي، كان هو من يشعل ويهدئ الفتنة الطائفية في مصر، بدليل ضلوع جهاز أمن الدولة في أحداث كنيسة القديسين في الإسكندرية. إذن من أراد لهذه النتيجة أن تكون على هذا التقسيم الطائفي يريد أن يدخل مصر في حرب طائفية دينية. يريد أن يقول إن المسلمين قالوا «نعم»، والأقباط قالوا «لا»، وبهذا ينفجر الوطن، ونعود مرة أخرى نصرخ احتماء بالأمن، ونسلم رقابنا لأمن الدولة مرة ثانية، ولنظام مبارك نفسه أو نظام شبيه به.

المظهر ديمقراطي، والمخبر تزوير، هل هذا ما يريده المصريون لأول انتخابات صوتوا فيها بحرية؟

البناء السياسي للنظام المصري يشبه، إلى حد كبير، جامع محمد علي في القلعة؛ قشرة فضية بيضاء تلمع في أشعة الشمس، موحية بأن البناء حديث، أو جزء من عالم الحداثة، أما ما تحت القشرة الفضية، فهي أحجار قديمة وثقيلة ثقل النظام القديم، يصعب تغييرها أو تكسيرها؛ لأنه متى ما كسرناها لم يعد هناك مسجد، ومتى ما دخلنا انتخابات حرة نزيهة لن يبقى هناك نظام.. فنظام مبارك كان مربوطا بمبارك، الذي ما زال موجودا في شرم الشيخ ولم يقدم لمحاكمة، أو تمس منه شعرة. البناء الإقطاعي القديم الذي يحمل فوقه تلك القشرة اللامعة ما زال قائما، فلقد كان نظام مبارك قشرة، ويبدو أن المجلس العسكري يريد استخدام الثورة كقشرة جديدة أكثر لمعانا، لكن التزوير وتغيير الصناديق ما زالا يسيران في طريقهما الطبيعي.

لقد كتبت، في مقال سابق، أن المجلس العسكري، بضرورة الاستسهال وليس بسوء النية، عقد صفقة مع الإخوان؛ لأنهم كانوا القوة الوحيدة المنظمة للمجتمع، ولم يعرف المجلس أن الصفقة مع الإخوان دائما تأتي محملة، أي زاد الإخوان عليها السلف والجماعات الإسلامية المختلفة. فغريب أن تكون الذراع الشعبية لجيش معروف عنه إيمانه بالدولة المدنية، أن تكون هذه الذراع هي السلف والإخوان والجماعات الإسلامية!

فضيحة دفاتر الاقتراع التي وُجدت ملقاة في مسجد رابعة العدوية بعد أن تم الاقتراع، وما حدث من تبديل للصناديق في هذه اللجان، لا بد أنها حدثت في مناطق أخرى. عندما وصلني الفيديو الذي يثبت التزوير على صفحتي على «فيس بوك»، وجدته معنونا من صحافية في «الأهرام» بعنوان «يا نهار أسود ومنيل»، وهو تعبير مصري عن مدى الصدمة.

المجلس العسكري الحاكم في مصر بدأت شرعيته تتآكل، ويحتاج إلى خطوة راديكالية لتصحيح المسار، فليس لديَّ مشكلة أن يفقد الناس الثقة في المجلس العسكري الحاكم، ولكن لديَّ مشكلة كبيرة لو فقد الناس الثقة في الجيش، لا بد أولا للمجلس أن ينأى بسلوكه السياسي عن سمعة الجيش الناصعة في مصر، التي يجب ألا تلوث؛ فالسياسة قذرة، والمجلس دخل في زواريب السياسة، يجب أن نحمي الجيش من السياسة والتسييس. على المجلس أن يلغي هذا الاستفتاء لو ثبت أن ما حدث في رابعة العدوية قد تكرر في مناطق أخرى، حتى لا نُدخل مصر في نفق مظلم لا نريده، نفق لم يكن أبدا هدفا من أهداف الثورة.