لماذا لا توافق إسرائيل على إعادة هضبة الجولان لسورية؟

TT

عندما أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن حرب رمضان كانت آخر الحروب بين العرب وإسرائيل، رد السوريون بقولهم: إن كانت الحرب لن تقوم بدون مصر فإن السلام لن يتم بدون سورية. وبينت الأحداث بعد ذلك صحة رؤية كل من الطرفين، فعشية انعقاد الجولة الثانية من المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية في شرم الشيخ في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، أرسل الرئيس الفرنسي ساركوزي مبعوثا خاصا إلى دمشق لدعوة بشار الأسد إلى استئناف مفاوضات السلام مع الدولة العبرية. وسرعان ما تبين أن نتنياهو بدوره قد أوصل رسالة إلى الأسد عن طريق وسيط أميركي يبلغه فيها إمكانية التوصل ألى اتفاق إطار بين البلدين خلال عام من مفاوضات مباشرة، فليس هناك حق توراتي تاريخي للإسرائيليين في مرتفعات الجولان. وقد نصح تسفي برئيل - الخبير في شؤون الشرق الأوسط - الحكومة الإسرائيلية بألا تضيع الفرصة المتاحة لها الآن لاستئناف المفاوضات مع سورية، على خلفية زيارة أحمدي نجاد الأخيرة إلى لبنان. ورأى أن اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية الآن سيقلص من التهديدات القادمة من الحدود الشمالية، كما يحدث معادلة إقليمية جديدة في المنطقة.

كانت سورية منذ البداية ترفض الدخول في أية مفاوضات مع إسرائيل، وعندما صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 عقب حرب أكتوبر 1973، يدعو الأطراف إلى وقف إطلاق النار، والبدء في مفاوضات السلام، رحبت مصر بالمفاوضات بينما رفضتها سورية. وبدا الموقف السياسي في الشرق الأوسط متجمدا بعد فصل القوات المتحاربة في مارس 1976، خاصة بمناسبة انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت في نفس العام. وبعد فوزه في الانتخابات، دعا الرئيس جيمي كارتر الرئيس السادات لزيارته في واشنطن في أبريل من العام التالي. وأبدى كارتر استعداد بلاده لعقد مؤتمر للسلام بين العرب وإسرائيل، واتفق مع الاتحاد السوفياتي على عقده في جنيف. لكن صعوبات عديدة حالت دون انعقاد هذا المؤتمر، فقد نشب الخلاف بين سورية وإسرائيل على جدول الأعمال، كما لم يتم الاتفاق على من يحق له تمثيل الجانب الفلسطيني. ومحاولة منه لإحياء مؤتمر السلام، دعا السادات الدول العربية التي ساهمت في القتال وإسرائيل إلى مؤتمر عقد في 26 نوفمبر (تشرين ثاني) بفندق مينا هاوس بمنطقة الهرم، بهدف التحضير لمؤتمر جنيف. لكن سورية والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية قاطعت المؤتمر، رافضة الجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل. وبعد بضعة أيام، اشتركت سورية مع بعض الدول العربية الرافضة لمبادرة السلام، في تكوين ما سمي بجبهة الصمود والتصدي في طرابلس بليبيا في الأول من ديسمبر (كانون أول) 1977.

ورغبة منها في معاقبة سورية، قررت إسرائيل ضم الجولان إلى حدودها سنة 1981، ثم اعتمد الكنيست مشروعا يفرض الحصول على تأييد غالبية 80 نائبا من أصل 120، أو اجراء استفتاء عام للمصادقة على أية تنازلات لسورية تتعلق بهضبة الجولان. والآن هناك حوالي 20 ألف إسرائيلي يعيشون في الجولان إلى جانب 18 ألفا من الدروز السوريين.

تغير الموقف بعد اشتراك سورية في حرب الخليج الثانية إلى جانب القوات الأميركية، فقرر جورج بوش الأب عقد مؤتمر للسلام في مدريد عام 1991، انتهى بتوقيع اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل دون التوصل إلى اتفاق مع سورية. بعد ذلك وافقت سورية للمرة الأولى على إجراء مفاوضات مع إسرائيل في واشنطن سنة 1994 على مستوى السفراء. ووافقت إسرائيل مبدئيا على الانسحاب من مرتفعات الجولان وإن وضعت بعض الشروط لتحقيق ذلك تتعلق بمدى الانسحاب والوقت الذي يستغرقه، كما عرضت أن يتم الانسحاب على مراحل ترافق كل منها خطوة لتطبيع العلاقات بين الدولتين. وفي 1995 وافقت سورية على استئناف هذه المفاوضات وخولت سفيرها في واشنطن - وهو وزير خارجيتها الحالي وليد المعلم – سلطة أكبر للتفاوض. وجرت المباحثات في واي ريفر في دورتين في ديسمبر 1995 ثم في يناير 1996. وبعدما تم التفاهم على النقاط الرئيسية، أعلن الرئيس بيل كلينتون في ديسمبر 1999 بدء المفاوضات بين إيهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية وفاروق الشرع الذي كان وزيرا للخارجية السورية آنذاك، للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين. أبدى باراك استعداده لإعادة مرتفعات الجولان إلى سورية، لكنه طالب بتمكين بلاده من الاستفادة من مياه بحيرة طبرية العذبة في الخليل، عن طريق احتفاظها بشريط صغير يطل على البحيرة، كما طالب بضرورة وضع محطة إنذار مبكر في الجولان بعد الانسحاب. لكن هذه المفاوضات التي جرت في منطقة واي ريفر بالولايات المتحدة انتهت دون أن تسفر عن نتيجة.

مرت ثماني سنوات بعد ذلك قبل أن تدخل سورية في مرحلة جديدة من مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في 21 مايو 2008، هذه المرة عن طريق تركيا. وكان الرئيس السوري يرى أن العملية التفاوضية بينه وبين إسرائيل في حاجة إلى طرف ثالث يرعى التفاوض. ومع هذا فقد كان مفهوما أن نجاح هذه المفاوضات سوف يؤدي في النهاية إلى مفاوضات مباشرة بين الطرفين برعاية أميركية. لكن هذه المفاوضات التي حققت بعض النجاح، سرعان ما توقفت بعد حرب إسرائيل مع قطاع غزة في 27 ديسمبر 2008. بعد ذلك لم تعد تركيا قادرة على لعب دور الوسيط، خاصة بعد حادثة أسطول الحرية الذي أدى إلى حدوث تباعد بين أنقرة وتل أبيب.

الآن مع بدء مرحلة حاسمة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون لها تأثير جوهري على مستقبل السلام في الشرق الأوسط بأكمله، لا يمكن لنا أن نتوقع تحقق السلام بدون مشاركة سورية. وفي الوقت الذي يواجه فيه الغرب احتمال حصول إيران على السلاح النووي، يتحتم على الجميع اتخاذ كافة الاجراءات التي تشجعها في العدول عن هذا الطريق. فإعادة الجولان إلى سورية سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف الجماعات المعارضة للسلام، والتي تدعمها إيران بالمال والسلاح.

يجب على إسرائيل أن تدرك الآن أن إعادة الجولان هو الممر الذي لا بد منه لتحقيق السلام الشامل ليس فقط في فلسطين ولكن في الشرق الأوسط بأجمعه.