عندما تختلط الأوراق الصفراء

TT

هل ساهمت العولمة، كما يرى بعض المثقفين، في رواج ظاهرة الإرهاب، كنتيجة حتمية لثورة التكنولوجيا الحادثة في عالم اليوم، والتي ادت إلى ذوبان المسافات، وسهولة الاتصالات، وأفسحت المجال للقيام بالصفقات المشبوهة، وعمليات نقل الأموال بسهولة؟! هل العصر الحالي الذي يتسم بالمادية، أدى إلى انجراف القيم والمثل الحياتية، وإلى التحكّم في مصائر البشر، حتى غدا الإنسان آخر الضحايا، كونه دفع الثمن غاليا من استقراره وأمنه؟! هل الإنسان الذي صنع مدنيته، هو نفسه الذي شجع وحشيته البدائية في الظهور على سطح حياته من جديد؟! هل المنافسة على صنع كل ما يؤدي إلى دمار العالم في المعامل والمختبرات، من أسلحة فتاكة بيولوجية وكيمياوية وإشعاعية ونووية، أدت إلى تغيير خريطة العالم، وإعادة رسم خطوطها، وتوزيع مراكز القوى على مناطق محددة في العالم؟! إنني حائرة امام كل ما يجري أمامي من صور محزنة، وأضحت الخيوط متداخلة بين أصابعي، وهناك أسئلة كثيرة لا أجد إجابة مقنعة لها!! ما مفهوم الإرهاب تحديدا؟! هل قتال الجماعات من أجل تحرير الأوطان يعتبر إرهابا؟! هل الجهاد في سبيل استرداد الأرض المسلوبة يعد إرهابا؟! أم أن الإرهاب في واقع الأمر هو الخروج عن المواثيق الدولية، سعياً لتحقيق مآرب شخصية بطرق دموية؟! وثيقة الأمم المتحدة أقرت بحق الشعوب في مقاومة المستعمر، وفي تحرير ارضها من مغتصبيها، لكن للأسف اصبحنا امام ضبابية في الرؤية، وخلط في الأوراق، وميوعة في التوجهات، واختلاف في المعايير، حتى صار يصعب على رجل الشارع إدراك ما يحدث، وباتت القضية اليوم في منتهى الخطورة، الكل يستغل ما يجري من أجل نيل أكبر قدر من الغنائم، وفي استغلال الموقف الحادث لتحقيق توجهاته، دون التطلع بأمانة إلى الأمر الحاصل، وحصر الهدف للقضاء بالفعل على الإرهاب في العالم! أينما نقّل الإنسان بصره، يجد ثغرات مفتوحة من العنف على الأرض.. هناك مئات من البشر يذبحون على يد الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر، وهناك آلاف من الناس يقتلون جراء الحرب الدائرة بين الشمال والجنوب في السودان، وهناك الصراع الدائر في الشيشان، وجماعة «أبو سياف» في الفلبين، التي تسبب الكثير من الإرباك للحكومة، بسبب خطفها رهائن أجانب بين حين وآخر، حتى تلبي الحكومة مطالبهم، لكن اللافت للنظر ربط الغرب ظاهرة الإرهاب في العالم بالإسلام والمسلمين، وهذا مدوّن في الكتب، لآراء بعض المستشرقين، الذين يعتقدون أن الشعوب العربية شعوب متخلفة، تميل في طبعها للعنف، سادية، قاتلة، متعطشة للدماء، وان هذه الخصال ثابتة في موروثاتها التاريخية، غاضين البصر عما قام به الاستعمار من مجازر على الأرض العربية، وما خلفه من آثار، ما زالت تنوء بحملها العديد من الدول العربية! متجاهلين عمدا العديد من الحركات الانفصالية في العالم، التي ليست لها علاقة بالدين الإسلامي ولا بالمسلمين، كالجيش الأحمر في اليابان، الذي تسبب في هلاك المئات من الناس في اليابان، والجيش الجمهوري في ايرلندا، الذي أعلن مسؤوليته عن الانفجار الأخير، الذي وقع بإحدى محطات القطارات بلندن، والإرهاب الدائر في أمريكا اللاتينية.

توقفت طويلا أمام صورة مسن افغاني في مخيم بشمال افغانستان، يحمل مبتسما بين يديه رغيف عيش، كأن أمانيه أضحت محصورة في سد رمق جوعه، قانعا بدفن أمانيه الأخرى في جراب النسيان! ووخزني الألم وأنا أدقق في صورة طفل عاري الجسد، منكفئ على وجهه، بعد أن أعياه التعب، ولم يجد سوى قارعة الطريق تضم جسده الضئيل، حتى صار يعتقد ان هذه هي الحياة! وكلما وقعت عيناي على صور متباينة من المآسي البشرية في العديد من مدن العالم الثالث، أردد بحرقة بيني وبين نفسي.. إلى متى تظل الشعوب تعيش مشردة، بعيدة عن أرضها؟! إلى متى تضطر الشعوب الى تجرع كؤوس الفقر والمذلة، وهي تنتمي لأوطان تزخر بالثروات؟! إلى متى يستمر سيل الجبروت والظلم والعدوان على الأفراد داخل أوطانهم؟! إنني حزينة على ما يصيب الشعب الأفغاني اليوم بسبب الحرب الواقعة عليه، فالحرب هي الحرب لا بد ان تخلّف ضحايا أبرياء، لقد أصابني الغم في الماضي عمّا لحق بالمرأة الأفغانية من تجن على يد نظام طالبان باسم الإسلام! فقد حرمها نظام طالبان حقها في التعليم، وحقها في العمل، وسلب منها دورها الطبيعي في أن تصبح عضوا فاعلا في مجتمعها، وحولها إلى مجرد كائن مشلول، تعيش عالة على ما يجود به الرجل بعد ان كانت عونا له في الحياة. ولم يكتف نظام طالبان، بهذا، بل عبث بأرضه، وسمح بزراعة المخدرات كمورد رزق لمواطنيه، والنتيجة خراب في خراب، حتى دفع اليوم الشعب الأفغاني ثمن جرائم حكامه! إن الإسلام لم يكن يوما وصمة في جبين الإنسانية، بل كان خيرا كله. لكن تزوير التاريخ، وتشويه معالمه، وتحوير أهداف الإسلام بما يتوافق مع أهواء ضيقي الأفق، أدى إلى اختلال التوازن الذي نلمسه اليوم، وإلى ما أصاب العالم الإسلامي من تشويه في نظر الآخرين من شعوب الأرض! نعم من حق العالم ان يحارب الإرهاب، لكن السؤال الأهم.. كيف ينبع الإرهاب؟! أين هيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان من الاستبداد الحاصل في دول العالم الثالث؟! أين هي من قمع الحريات الذي يجري على مرأى ومسمع العالم المتحضر الذي يتشدق بالديمقراطية؟! الحقيقة ان هناك سوقاً رائجة للمزايدات، غدت مشرعة نوافذها عن آخرها، كل يزايد على قدر طموحاته للحصول على أكبر قدر من الغنائم، حتى أضحى ما يدور ما وراء الكواليس أصعب من أن ينشر على الملأ، وأقسى من أن تنطق به الأفواه علنا! لقد أحسن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية حين أكد الجميع على ضرورة وحدة افغانستان وهويتها الاسلامية، وعلى تخوفهم من وقوع المزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء، وإنشاء صندوق خاص لمساعدة الشعب الأفغاني. لنصلّ جميعا أن يرأف الله بهذا الشعب، وأن ينهي محنته ويرفع بلاءه، ما دمنا لا نملك سوى حق الدعاء!