واشنطن بين الحرب على الإرهاب .. والفوضى العالمية

TT

أصعب الحالات البشرية والسياسية، التي يعاني منها شخص أو مجتمع، هو أن يشعر نفسه أنه بين فكي كماشة، يريد الشيء وعكسه، وهو مضطر إلى أن يتخذ الموقف ونقيضه. وهذه حال العرب والمسلمين إزاء ما يحصل في أفغانستان. ومثلي مثل الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي، أدين الممارسات الإرهابية المنسوبة إلى تنظيم «القاعدة» وأسامة بن لادن، لكنني في الوقت نفسه، تمنيت لو أن الحملة الأميركية اقنعت واستقطبت توافقاً عربياً وإسلامياً قبل تحديد ساعة الصفر والانطلاق بعملياتها. لكن، كما أن الإرهابيين لم يستأذنوا العرب أو الإسلام قبل استهداف نيويورك وواشنطن، حرصاً منهم على توجيه صدمة قوية للولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة بدورها لم تستأذن قبل بدء حربها على أفغانستان.

وعلى جري عادتها، لا تخاف الولايات المتحدة أحداً، فتتمهل حينا، حيث لا موجب للتمهل، وتتسرع أحيانا، حيث لا موجب للتسرع. وفي تصوري انها تسرّعت هذه المرة في إعلان الحرب على افغانستان على الرغم من التحذيرات التي وجهها لها غير زعيم عربي وإسلامي، وبينهم من يساند سياستها ومنهم من يختلف معها. لقد تجاهلت واشنطن كل هذه التحذيرات بحجة «عمل شيء ما لاستعادة الهيبة الأميركية في العالم».

وتشدد التصريحات الأميركية على أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها، علما بأنها المرة الأولى في التاريخ التي تدخل فيها الولايات المتحدة في حرب لتدافع عن نفسها في حين كانت تتدخل في السابق لتدافع عن غيرها من الدول والشعوب، كما حدث في فيتنام وكوريا وفي حربي الخليج والبلقان.

هذه المرة، انتصار الولايات المتحدة هو انتصار لها حصراً، وهزيمتها هي هزيمة لها بالتحديد. ولا مفر لديها من الانتصار لأن هزيمتها في افغانستان تعني تفكك النظام العالمي برمته. وسيكون من سخريات القدر ان تشهد افغانستان بداية تراجع الجبار الأميركي كما شهدت في الأمس انهيار الجبار السوفياتي، اقوى دولة في مواجهة اضعف دولة، واغنى دولة في مواجهة افقر دولة. والسؤال الكبير هو: هل نقف على مشارف نظام عالمي جديد اثر الحرب الاميركية على الارهاب على غرار ما حدث اثر حرب الخليج الثانية؟

مما لا شك فيه ان حرب افغانستان اندلعت وليس في الأفق ما ينبئ بتسوية وشيكة لها. والولايات المتحدة، وهي الراعية الأساسية للحلول والتسويات في الشرق الأوسط، باتت متورطة مباشرة فيها. ويثير تورطها الاضطرابات في أنحاء مختلفة من العالم ويهدد الاستقرار العالمي وينذر بوقوع أزمات إقليمية جديدة وتأجيل حل أزمات إقليمية قائمة.

بالطبع، على الولايات المتحدة أن تتحسب من الوقوع في فخ الفوضى العالمي، وتأخذ بعين الاعتبار أن من خطط لاعتداءات نيويورك وواشنطن خطط لإحداث مثل هذه الفوضى. أليس زرع الفوضى هو أحد أهداف الإرهاب؟

أما وقد بات العالم مهدداً بالفوضى، فهل لنا أن نتوقع أن تعير الولايات المتحدة اهتماماً أكبر لجذور الأزمات الإقليمية القائمة والمستحدثة ومن بينها الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتطوراته؟ وهل يتحرك العرب ليؤثروا في الحدث فتكون حرب افغانستان تنفيذا لمؤتمر مدريد، كما كان مؤتمر مدريد نتيجة لحرب الخليج الثانية؟

بانتظار الجواب تبدو واشنطن منشغلة بحرب افغانستان وكيفية تحقيق انتصار ملموس فيها، لكن لن يمر وقت طويل لتدرك ان محاولتها الخروج من شرك الارهاب قد يوقعها في شرك اخطر هو شرك الفوضى العالمية. ويتعين على الإدارة الأميركية ان تسرع الخطى لتجنيب العالم مخاطر الفوضى المحتملة قبل ان تصير واقعاً.

ان الحرب على الارهاب ليست كالحرب على دولة معينة. فالارهاب لا حدود له ولا وجه، وهو مهيأ كالجرثومة الخبيثة للانتشار في أي مكان واصابة أي كان، وأظن أن واشنطن ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة النظر في استراتيجيتها وحساباتها، وانتصارها سيكون مكلفاً!