الحذر ليس دليل الخوف

TT

أعلن ناطق باسم الادارة الاميركية ان العملية العسكرية الجاري تنفيذها حاليا ضد حركة طالبان يمكن ان تتجاوز حدود افغانستان. وظهر مجددا في مرمى النار شبح العراق المبهم الملامح وتردد فعلا في كافة الانحاء اقوال مفادها ان هذه البلاد ستصبح الهدف الثاني «لعملية الجزاء».

واذا حدث ذلك فسيحتدم الوضع العالمي عموما، وبوسعي القول بصراحة ان روسيا تعارض ذلك بشكل قاطع وتعتبر العملية في افغانستان، وبضمن ذلك لدى الرأي العام الروسي، أمراً لا مناص منه. فقد اكد بن لادن نفسه في الواقع تورطه في التفجيرات الارهابية التي جرت في نيويورك وواشنطن. لكن قيادة طالبان رفضت تسليمه. زد على ذلك لا يخفى على احد ان رجال طالبان حولوا افغانستان الى مصدر للارهاب يمد أذرعه كالاخطبوط الى خارج حدود هذه البلاد، لا سيما الى جمهورية الشيشان والبلقان.

ولكن ماذا عن العراق؟ من الواضح ان من الممكن توجيه النقد الى قيادة بغداد بسبب غياب المرونة، ولعدم الرد فورا احيانا على المطالبة بتنفيذ القرارات المهمة لمجلس الأمن الدولي. لكن هل يعطي ذلك المسوغات للتنكيل بأي نظام كان؟

انني آمل مع هذا في ان تفكر القيادة الاميركية مليا في جميع عواقب توسيع «عملية الجزاء» والا يصيب العراق الأذى. من جانب آخر، المهم ان تعمل بغداد اليوم بحذر بالغ. طبعا قد يقول البعض ان العراق لم ولن يستسلم للخوف، وانا أوافق على ذلك. لكن الحذر في السياسة لا يمثل البتة دليلا على الخوف، لا سيما ان من واجب الجميع الآن ان يعملوا بصورة مثلى، بغية عدم صب الزيت على النار، وفي الوقت نفسه ان يحاولوا تصفية أحد «الاوساط المغذية» لنمو الارهاب الدولي أي أزمة الشرق الأوسط الباقية بدون تسوية.

لقد أعلن الرئيس الاميركي منذ أيام ضرورة الاعتراف بحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وباعتقادي ان هذا البيان صدر من أجل تخفيف رد الفعل السلبي في العالم العربي حيال العملية العسكرية في افغانستان، لكن حتى لو كان الأمر كذلك، اليس من الواجب استغلال هذا البيان لاغراض تسوية ازمة الشرق الأوسط؟

ومما له دلالته ان وزير خارجية اسرائيل عاجل الى تأييد الموقف المعلن للولايات المتحدة، وحتى شارون لم يعمد، كما فعل ذلك مرارا من قبل، الى رفض كل ما يتفق مع خططه، بيد ان هذا لا يعني البتة ان المرحلة الحرجة في علمية السلام في الشرق الاوسط قد مضت ومن السذاجة قول ذلك، لكن حتى اذا ما صدرت لسبب ما بيانات تضع «الصقور» الاسرائيلية في طريق مسدود، فانه شيء لا بأس به.

وتشير الاحداث الاخيرة الى ان ياسر عرفات اقدم على خطوة لا مثيل لها ترمي الى استخدام القوة لايقاف المظاهرات المعادية للاميركيين بمناسبة تنفيذ العملية العسكرية في افغانستان، ويبدو ان هذا شيء له مبرراته اليوم. ففي هذه اللحظة يجب على الجميع العمل للحيلولة دون تدهور الوضع، وكذلك لتهيئة المقدمات من أجل معالجة الأمراض التي تساعد على تفشي الارهاب الدولي.. وجميعها بلا استثناء.

* رئيس الوزراء الروسي الأسبق ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»