النمس.. عالي الهمة

TT

هل (الفراسة) هي عالم في حد ذاتها؟!

وأقصد بالفراسة قدرة الإنسان على الحكم على الناس من خلال ملامحهم.

والذي دعاني لهذا السؤال والتطرق لهذا الموضوع هو كثرة الحكي والهذر و(اللجاجة) التي صمخ بها أذنيَّ في الليلة الماضية أحد الفلاسفة الذي يدعي أنه حائز على أرفع الشهادات في عالم الفراسة.

ومن ضمن خرافاته التي يصر عليها، أنه ما إن يشاهد الشخص حتى يعرف بواطنه من ظواهره، وما إن قلت له: أفصح. حتى قال لي: إن ملامح الإنسان يا شاطر هي التي تدل عليه دلالة لا تخطئها العين الذكية، هل فهمت؟!

عندها سكت وتبلمت ولويت (بوزي) كثيرا لا قليلا.

فخلا له الجو (وباض وصفر)، لأنه استطرد قائلا: هناك من الناس الذي تدل ملامحه على الأسد الهصور، وهناك الجبان الغبي كالنعامة، وهناك الحسناء الكعباء التي ملامحها كالغزال الشارد، وهناك المحتال الماكر كالثعلب، وبعضهم تدل ملامحه على أنه دب عابث، أو ذئب غادر، أو نمر ذو صلف، أو ضبع قذر، أو نمر مراوغ، أو خنزير دنيء، أو قرد محتال ومقلد ومشاكس، أو بقرة حلوب غليظة الطباع، أو فرس كثيرة المزاح ومعجبة بنفسها، أو جمل حقود، أو قط متخنث محبا للرفاهية، أو حمار جاهل وبليد.

وعندما وصل إلى هذا الحد أوقفته عن الاسترسال، لأنني لو لم أفعل ذلك فمن المؤكد أنه سوف يأتي على كل الحيوانات التي هي على ظهر هذه البسيطة.

وبعد أن حمدت ربي أنه أغلق فمه وبراطمه المتهدلة، كانت غلطتي الشنيعة التي ندمت عليها فيما بعد، هي أنني سألته مازحا: وأنت الآن بماذا تحكم عليّ من ملامحي؟

أخذ (يتفرسني) مليا، ثم قال لي بكل صراحة وشفافية: أنت من فصيلة (النمس).

واعتقدت حينها أنه يمدحني، لأنني سألته عن مزايا النمس.

فصدمني عندما قال: ليس له في الواقع أي مزايا غير الخبث.

فلما شاهد وجهي قد تغضن، أراد أن يجبر بخاطري، لأنه أردف قائلا: صحيح أن النمس خبيث، ولكنه أيضا عالي الهمة.

ارتحت قليلا من إشارته تلك، وعاودت سؤالي عليه: وما هي الهمة التي تقصدها يا رعاك الله؟!

قال: هي مثابرته على (النبش).

أيضا لم تفلح إجابته في فهمي وإرضاء غروري، فسألته مرة ثالثة: وماذا تقصد بالنبش؟!

قال: (يا زينك صامت). ثم أتبع كلمته تلك قائلا: «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم».

وما إن سمعت جملته الأخيرة تلك حتى أسقط في يدي، وعرفت أنني دخلت في مجال شائك لست (بقده)، ومن الصعوبة عليّ الخروج منه، فآثرت السلامة والهروب والنفاذ بجلدي على الأقل.

ورضيت من الغنيمة بالإياب، حتى لو كنت نمسا عالي الهمة.

وإنني في هذه المناسبة أنصح كل قارئ، سواء كان ذكرا أو أنثى، بأن يترك القراءة الآن ثم يذهب إلى المرآة ويتفرس في ملامحه جيدا، ثم يحكم على نفسه ليعرف إلى أي فصيلة من الحيوانات هو ينتمي (!!) ولا أطلب منكم غير الصراحة والشفافية.

[email protected]