أحلام وهدايا.. عربية

TT

هل ساهم البوعزيزي في منح الكثيرين من العرب ما تمنوه في أحلامهم؟ لا أدري كم من الحالمين باتوا سعداء، إنما الكثير من الأخبار طافت منطقتنا كأنه للبعض موسم عيد مليء بالهدايا. المصريون في احتفالات واعتصامات وملاحقات، سجون فتحت للكثيرين وأغلقت على آخرين كثيرين.. كثيرون عادوا إلى أوطانهم في مصر وتونس بعد أن كانوا مطلوبين أو ممنوعين. للبعض يكفي التشفي ليدخل البهجة على الناقمين، وبسببه أصبح مكتب النائب العام في مصر يعج بطلاب الثأر والشهرة، حتى إن أحد الضيوف على التلفزيون المصري احتج قائلا «يا جماعة أنا شايف بلاغات كتير بس مش شايف اللحمة فين.. كلها بلاغات لكن ما فيش حاجة مؤكدة»، يعني الاتهامات لعائلة الرئيس المخلوع حسني مبارك بودائع بمبالغ خرافية في بنوك عالمية.

الكويت كافأت «مواطنيها» من البدون بحقوق كثيرة قاربت منحهم الجنسية بما يسهل حياتهم اليومية ويعطيهم فرصة الحياة الآدمية، فصار هناك مائة وثلاثون ألف شبه كويتي سعيد لم يحلموا بما حصلوا عليه قبل أيام من حقوق شبه مواطنة، جوازات سفر وتعليم وتطبيب، والأمل أن يمنحوا الجنسية فتكتمل فرحتهم.

في الرياض لم أستطع أن أصل إلى الفندق بسهولة بسبب المظاهرات الاحتفالية الشعبية بعد أن فتحت الحكومة محفظتها وأقرت جملة قرارات تعطي مساعدات لمن لا عمل لهم، ونصف مليون ريال لمن شاء أن يبني منزلا أو يشتري شقة، ومرتب شهرين هدية، وفوقها يوم إجازة. وهنا للملك شعبية عارمة لصدقه وعفويته. والهدايا لم تعط قبل يوم المظاهرات الموعود بل بعدها، وبعد أن مر يوم «حنين» ولم يتظاهر أحد. ولا بأس أن نعترف بأن الجميع سعداء بالهدايا باستثناء وزير المالية الذي رأيته وعينه اليمنى متورمة!

في سورية وصلت عربة البوعزيزي متأخرة وحاول الرئيس نزع فتيلها فاستجاب لمطلب الدرعاويين وأقال المحافظ المغضوب عليه شعبيا، المشكلة أن قائمة الهدايا المطلوبة صارت طويلة وغالية، لهذا فالتحدي تجاوز بلدة درعا ومحافظها. وفي اليمن يبدو أن اليمنيين سيحتفلون ربما بتوديع رئيسهم القديم وتنصيب عسكري آخر مكانه حتى يحين موعد الانتخابات، وعسى أن يتحقق لهم ما يريدون دون مزيد من الدماء، فاليمن بلد صعب التضاريس اجتماعيا وجغرافيا. في البحرين أخفق المحتجون في قطف ثمار البوعزيزي عندما تعهد لهم الملك بجملة وعود إصلاحية سياسية ومعيشية، حيث ضللتهم الجماعات المتطرفة داعية لرفض الوعود والاستمرار في طلب المزيد والمستحيل فتعقد الوضع إقليميا لا بحرينيا فقط ولم ينجح أحد!

بقي الليبيون الذين عاشوا يحلمون بالتغيير أربعين عاما وملوا من ظرف رئيسهم وبطشه، وهم حتى الآن أكثر العرب إصرارا على التغيير، ويرون فرصة ثمينة مع التدخل الدولي بسبب استحالة اقتلاعه من دون عون خارجي. والثوار هنا أكثر من يدفع الثمن غاليا منذ أن حرق البوعزيزي نفسه في تونس قبل ثلاثة عشر أسبوعا وهبت بعدها رياح الثورات في العالم العربي.

[email protected]