التخطيط لليبيا ما بعد القذافي

TT

لأسابيع، دعوت لضرورة أن تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤنا منطقة حظر جوي فوق ليبيا وشن ضربات جوية لوقف زحف العقيد معمر القذافي ضد قوات الثوار. الأسبوع الماضي، صرح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باتخاذ هذه الإجراءات. وعلى مدار عطلة نهاية الأسبوع، بدأ شن ضربات صاروخية، وهو أمر ينبغي أن يسعدني، أليس كذلك؟ إلا أن القلق ما يزال يساورني حيال إمكانية اتخاذ جميع الأمور لمنحى سلبي.

ويتمثل النبأ السار في أن القوات الليبية ضئيلة العدد وتعمل تحت إمرة قيادة رديئة المستوى وتعاني من تدني مستوى التسليح. وقد أظهرت الهجمات الصاروخية والجوية الأوروبية والأميركية بالفعل قدرتها على إلحاق أضرار كبيرة بالقوات التابعة للقذافي من دون مخاطر تذكر.

والتساؤل الأكبر هو: هل سيكون هذا كافيا لوقف هجماته؟ تعمل قوات العقيد القذافي داخل المناطق الحضرية، حيث يصعب للغاية استخدام قوة النيران الجوية من دون قتل مدنيين. وقد انسحبت قواته من بنغازي بعد قصف مبدئي، الأحد، لكن هجوم من الثوار على إجدابيا ذات الموقع الاستراتيجي تم صده، الاثنين. والتساؤل الآن: هل سيتمكن الثوار من اقتلاع جذور الموالين للقذافي؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، هل نحن على استعداد لاستخدام قوات برية غربية؟ حتى الآن، استبعد الرئيس أوباما هذا الخيار، والذي يحمل معه مخاطرة حدوث موقف متأزم يستمر لفترة طويلة. إن بإمكان العقيد القذافي التشبث ببساطة بالسلطة، بينما يتداعى التأييد الدولي للعملية العسكرية بالبلاد.

وحتى لو تنحى العقيد القذافي - وهي نتيجة أعتقد أن لزاما علينا الآن السعي لتحقيقها، لكن لم يعلن عنها كهدف رسمي - فإن هذا لا ينهي المشكلات.

في بعض جوانبها، تحمل ليبيا مخاطر أقل عن أفغانستان والعراق، فبينما تتسم ليبيا بمساحة جغرافية أوسع عن الدولتين الأخريين، فإن عدد سكانها أقل كثيرا (6.4 مليون نسمة فقط) وأكثر تركزا في قطاع ضيق على امتداد الساحل.

ورغم أن بها أقلية بربرية بجانب غالبية ناطقة بالعربي، فإنها غير منقسمة بناء على تقسيمات عرقية وطائفية. كما أن ليبيا لا تحيطها دول مجاورة معادية (مثل باكستان أو إيران) تسعى لإثارة حركات تمرد بها. إننا محظوظون بأن العقيد القذافي ليس لديه سوى القليل من الداعمين على الصعيد الخارجي، مع تأييد جامعة الدول العربية للتدخل العسكري.

لكن ما يزال هناك الكثير يمكن أن يتخذ منحى سيئا في ليبيا ما بعد القذافي. إن انهيار الدولة البوليسية للقذافي يعني حرية أكبر لجميع الليبيين، بينهم «الجهاديون» الذين قد يحاولون إثارة حركة تمرد مثلما حدث في العراق.

ويتفاقم التهديد بسبب التركيب القبلي لليبيا. خلف الواجهة الواهنة للدولة الحديثة يوجد تاريخ طويل من الصراعات بين 140 قبيلة وعشيرة لا ندري عنه الكثير. وقد أبقى القذافي على هذه القبائل تحت السيطرة عبر مزيج من القمع الوحشي وإغداق المال. وبمجرد رحيله، قد تنطلق هذه القبائل في قتال بعضها البعض حول عائدات النفط. ومثلما حدث بالعراق، قد يتحالف بعضها مع «القاعدة».

ولتجنب الأسوأ، يجب أن نعمل مع حكومة معارضة ناشئة، «المجلس الوطني الانتقالي»، لوضع خطة لليبيا ما بعد القذافي. ومن المهم للغاية أن يبدأ تسليح وتدريب قوات غربية خاصة أو جنود عرب أو كليهما للمقاتلين الثوار. ويجب العمل على تمكين المقاتلين الثوار ليس على الإطاحة بالقذافي فحسب، وإنما كذلك للحفاظ على القانون والنظام في ليبيا الجديدة.

ومثلما هي الحال مع دول أخرى مرت بفترات ما بعد الصراعات، مثل كوسوفا وتيمور الشرقية، الاحتمال الأكبر أن ليبيا ما بعد القذافي ستحتاج لقوة حفظ سلام دولية. وينبغي تنظيم هذا تحت رعاية الأمم المتحدة وحلف «الناتو» وجامعة الدول العربية، وهي خطوة ستستلزم تعديل قرار مجلس الأمن الذي يحظر وجود «قوة احتلال أجنبية من أي صورة بأي جزء من الأراضي الليبية».

ولا يعني أي من ذلك أنني غيرت رأيي وقررت ضرورة أن نبقى بعيدا عن ليبيا. إن ما يجري هناك ما يزال جديرا بالتدخل لأسباب استراتيجية وإنسانية، لكن على إدارة أوباما توخي الحذر واليقظة إزاء الأخطار العديدة القائمة أمامها، ويجب عليها وضع خطط للتعامل معها.

* زميل بارز في مجلس العلاقات الأجنبية بالولايات المتحدة

* خدمة «نيويورك تايمز»