يوم خذلت تركيا الأردوغانية الشعب الليبي

TT

الموقف الأردوغاني من الشعب الليبي وانتفاضته المباركة موقف يستجدي وقفة شجاعة من الشعبين الليبي والتركي. فالأواصر العائلية والعلاقات الاجتماعية الليبية - التركية تضرب جذورها عبر تاريخ الشعبين الشقيقين الطويل.

فكثير من العائلات الليبية لها أواصر وعلاقات دم وقرابة، في حين يعود بعضها إلى أصول تركية أصيلة. وهذا ما يجعل العلاقات بين الشعبين وطيدة وأعمق من أن تهزها مواقف سياسية ذات مصالح ضيقة.

لقد توقع الشعب الليبي الكثير من السيد طيب أردوغان، وبخاصة بعد مواقفه المشرفة تجاه ما حدث في غزة، وبعد وقفته الإيجابية مع ثورة الشعبين التونسي والمصري. فالسيد أردوغان عمل خلال السنوات الماضية على إعادة هيكلة السياسة الخارجية التركية بطريقة تجعلها أكثر استقلالية وأكثر انحيازا للشعوب ولقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وخصوصا العالمين العربي والإسلامي. كما عملت إدارته على الاتجاه نحو الشرق والغرب في نفس الوقت بعدما كانت تركيا قد يممت وجهها نحو الغرب وحصرت تحالفاتها الاستراتيجية مع أوروبا والولايات المتحدة، وفقدت بذلك البعد الشرقي الهام.

اتجاه تركيا الأردوغانية نحو الشرق أمر أثار حساسية العالم الغربي الذي يتشكك في محاولتها إعادة إحياء الدولة العثمانية عبر خلق دوائر تأثير وعمق استراتيجي على الأقل، هذا الأمر لقي ترحيبا من كل من دول المنطقة وشعوبها التي تعتبر تركيا بعدا استراتيجيا إيجابيا لها. تحمس الشعوب العربية للدور التركي الجديد يتعرض خلال الأسابيع القليلة الماضية لانتكاسة نتيجة للموقف الأردوغاني من الانتفاضة الليبية. فالتردد والتذبذب الذي أظهره السيد أردوغان تجاه الانتفاضة الليبية كان أمرا محيرا على كل الأصعدة. ففي البداية كان الصمت المطبق، وهو أمر فسره الكثيرون على أنه دعم صامت للقذافي ونظامه ضد الشعب الليبي، ثم تلت ذلك تصريحات خجولة ومترددة تطلب من القذافي توخي المسؤولية في التعامل مع الانتفاضة ولكن الموقف مستمر؛ الوقوف إلى جانب النظام وليس الشعب الليبي. الجرائم التي يرتكبها بقايا النظام الليبي الفاقد للشرعية لم يكن لها أثر واضح في الموقف الأردوغاني تجاه الشعب الليبي، وجاء بيان يطلب من العقيد الليبي تعيين خليفة له، ربما على غرار تعيين مبارك لعمر سليمان كنائب له.

والسؤال هنا: هل يدرك السيد أردوغان ومستشاروه طبيعة القذافي ونظامه؟ فالعقيد لم يكن، لو أراد تعيين شخص، إلا أن يعين ابنه سيف الإسلام الذي أثبت خلال الأحداث ومن خلال تصريحاته وممارساته وتهديداته أنه لا يقل سادية ودموية عن والده.

السيد أردوغان لم يكن قادرا على الانحياز للشعب الليبي كما انحازت الدول العربية التي عانت عبر عقود من إرهاب وممارسات وتهديدات النظام الليبي المتهالك، فعليه الوقوف موقف الحياد.

الشعب الليبي يتساءل: هل الموقف التركي الأردوغاني لا يزال ينبع من قناعة بأن نظام القذافي سيبقى في الحكم؛ وبالتالي فالموقف يعبر عن رغبة في حماية العقود المليارية التي عقدتها الشركات التركية مع نظام القذافي؟ أرجو أن يكون مستشارو سيادة رئيس الوزراء أعلم وأحذق من تلك الفرضية.

الشعب الليبي حقيقة فقد الأمل في موقف تركي أردوغاني مشرف تجاه انتفاضته وهو اليوم متخوف من تلاعب تركي في الشؤون الليبية، فالتصريحات الأخيرة للسيد أردوغان عن القرار الأممي رقم 1973 وموقفه من الحظر الجوي والتدخل العالمي لحماية المدنيين أمر محير ومؤسف في نفس الوقت. فلم يكتفِ أردوغان بالاعتراض على القرار ومعارضته، بل يحاول اليوم الزج بالخلافات التركية - الفرنسية بشأن الموقف الفرنسي الرافض أو المعرقل لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وإدخاله في الأزمة الليبية، ومحاولة تصفية الحسابات عبر الاعتراض على الدور الفرنسي الداعم للشعب الليبي. فحسب تصريح وزير الدفاع التركي، وجدي جونول، للصحافيين: «يبدو من المستحيل أن نفهم دور فرنسا البارز جدا في هذه العملية. نجد صعوبة في فهم ما يبدو من أنها المنفذ لقرارات الأمم المتحدة»، الأمر الذي يدلل على محاولة استغلال معاناة الشعب الليبي في الصراع التركي - الفرنسي. ولم تكتف إدارة أردوغان بذلك فقط؛ بل عارضت التدخل الدولي في ليبيا ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.

بعيدا عن كل الحساسيات والتقلبات السياسية وعمليات تصفية الحسابات، أرجو أن تعيد تركيا الأردوغانية النظر في سياستها غير المقبولة تجاه ليبيا، وإن لم تستطع أن ترتفع بها إلى مستوى دعم الشعب الليبي فلا أقل من أنها يجب أن لا تخوض به ولا تتدخل سلبيا فيه بما قد يؤدي إلى توتر مستقبلي للعلاقات بين البلدين اللذين يرتبطان بروابط تاريخية واجتماعية. هذه الروابط هي أكبر من المواقف السياسية الآنية والحسابات الضيقة والصراعات التي لا علاقة لليبيا والشعب الليبي بها. فالشعب الليبي وعبر انتفاضته المباركة يعرف اليوم من هو صديقه ومن هو غير ذلك، وأرجو أن تحذو تركيا أردوغان حذو دول العالم العربي، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي التي تقف موقفا مشرفا وتاريخيا مع الشعب الليبي، وإن لم تستطع فليس هناك أفضل من السكوت.

* كاتب ليبي - أميركي ورئيس المجلس الأميركي - الليبي