قبل وصول الغيث

TT

يستمر الشباب الواقف إلى جواري وأنا جالس أمام مدخل المتحف المصري في رواية تفاصيل الساعات العصيبة التي عاشها المتحف وسطرها ضمن تاريخه.. وحكى أحدهم رواية تفضح جهل هؤلاء المجرمين الذين اقتحموا المتحف المصري لسرقته، حيث قال إن اللصوص قد دخلوا إلى بيت الهدايا وانشغلوا بسرقة النماذج المقلدة للآثار والفضيات وبعض الحُلي الصغيرة من الذهب، وتركوا الأرفف التي اصطفت عليها مؤلفات وكتب علماء الآثار ذات الطباعة الفاخرة الباهظة الثمن، حيث إن سعر الكتاب الواحد يفوق أضعاف أثمان هذه النماذج المقلدة والفضيات والحُلي الذهبية، لكن جهل هؤلاء بقيمة الكتب جعلتهم لا يلفتون إلى سرقتها أو حتى مسها.. والحقيقة أن وجودا هذا البازار أو بيت الهدايا قد ساعد كثيرا في حماية جسم المتحف نفسه وما يحويه من آثار بداخله. وكذلك من أحداث تلك الليلة العصيبة أن جماعة من البلطجية لم يتورعوا عن سرقة عربة المطافئ الضخمة التي كانت تقف عند البوابة الشمالية للمتحف، ولجهلهم بأسلوب قيادة مثل هذه العربات أخذت العربة تترنح بهم يمينا ويسارا إلى أن اختفت عن الأنظار، ولا أعرف سببا يدعو أي مجرم عنده ذرة من عقل يقدم على سرقة عربة مطافئ.. ماذا سيفعل بها؟! وماذا ستفيده سرقتها؟ لكنها الفوضى العارمة، حمى الله منها مصر وكل أوطاننا!

اندفع اللصوص إلى مبنى مواجه لبيت بيع الهدايا الملحق بالمتحف المصري، وهو مبنى الكافتيريا، وتوجهوا إلى المطبخ وكسروه عنوة وفتحوا الثلاجات وأخذوا يسرقون اللحوم والهاموبرغر والدجاج، بل والمعجنات، وكذلك زجاجات الكاتشب والصلصة، بل وعلب الملح وغيرها، حتى الشوك والملاعق والسكاكين كانت تحمل في أكياس من البلاستك ليفروا برخيص بضاعتهم. وهؤلاء كانوا الوحيدين الذين سمح لهم الشباب الواقف عند أسوار وبوابات المتحف بالخروج بعد أن تأكدوا من أن ما يحملونه ليس سوى أطعمة لا فائدة من أخذها منهم لأنها ستفسد على كل حال، وتركوهم يخرجون في سلام حتى تقل الأعداد داخل حديقة المتحف، ولم يكن أحد من هؤلاء الشباب يدرك أن جماعة من اللصوص يحاولون اقتحام أبواب مبنى المتحف نفسه وتمكنوا من كسر بعض الأقفال المصفحة، لكن الأبواب صمدت على الرغم من أن بعضها أبواب أصلية من عمر المبنى، أي تجاوز عمرها أكثر من 110 سنوات. وكانت الكارثة وجود سلم حديدي إلى الخلف من المبنى يؤدي إلى سطح المتحف، وهو سلم موجود من عشرات السنين، وكانت وصلته الأرضية مفصولة حتى تم إعادتها واكتماله منذ ثلاث سنوات لكي يستعمله المهندسون والعمال الذين يقومون بأعمال الصيانة والعزل لسقف المتحف وقبائه من خطر الأمطار والرياح، وللأسف الشديد كان يُكتفى بوجود فرد أمن يقوم بحراسته بعد غلق أبواب المتحف بعد انتهاء الزيارة.

ولم يكن أحد يتصور أو حتى يرِد على خاطره أن اقتحاما سيحدث يوما ما مستهدفا المتحف المصري، وأن هذا السلم سيكون طريق اللصوص إلى داخل المتحف، وهذه قصة أخرى تحتاج كتابتها وتوثيقها إلى مؤلف يتضمن شهادة كثير من الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية، والتي كانت شاهدة على الحدث الذي هز مصر كلها.. وتستمر الشهادات.