يوم الخروج

TT

بدأت مصر تروي حكايات الأيام الأخيرة في حكم الرئيس حسني مبارك. ما كان لا يروى من قبل أصبح علنيا الآن. في «الأهرام» يروي الزميل صلاح منتصر نقلا عن الدكتور حسام بدراوي أن مبارك كان غائبا عن حقيقة ما يجري حوله. وهذا ما يؤكده الأستاذ مكرم محمد أحمد إلى «الشرق الأوسط» الأربعاء، بأن الرئيس كان يعتقد أن القضية قضية 2000 إلى 3000 شخص وسوف تنتهي في يومين.

ذهب بدراوي، الذي عينه مبارك أمينا عاما للحزب الوطني في الساعات الأخيرة، ليقول للرئيس إن الأمر قد قضي، وإن عليه التنحي والذهاب إلى شرم الشيخ لأن المتظاهرين سوف يزحفون إلى القصر الجمهوري. فكان رده أنه سيأمر الحرس الجمهوري «بالضرب عليهم بالمليان». تملك بدراوي شجاعته الوطنية وقال: سيادة الرئيس، أنا أرى تشاوشسكو أمامي. كان ذلك كافيا لبدء عملية التراجع.

يختلف الشهود في وصف أجواء البيت؛ ففيما يروي بدراوي أن جمال مبارك سأله وهو يدخل مكتب والده: «إيه؟ في إيه؟»، تقول كريستيان أمانبور، مراسلة «إيه بي سي»، إن جو المنزل كان كئيبا ومضطربا. ويقول الأستاذ مكرم محمد إن الرئيس السابق كان يدرك مدى النقمة الشعبية لكنه لم يكن يريد أن يسمع.

يضيف: «لم تكن مصر تستسيغ فكرة أن يكون لزوجة الرئيس كل هذا النفوذ. وأن يكون لها وزيران، فاروق حسني وأنس الفقي وغيرهما»! وكنت أقول للأستاذ أسامة سرايا، رئيس تحرير «الأهرام»، ماذا سيكون رد فعل المصري الذي يرى صورة السيدة مبارك كل يوم في النصف الأخير من الجريدة؟ إن صفتها الوحيدة هي زوجة الرئيس وربة منزله، وليس إيزيس، ربة المصريين.

حصل الضرر الأكبر لمبارك من ضعفه حيال عائلته. قال للدكتور بدراوي لحظة المواجهة: «أنا تسلمت البلد ولم يكن فيه شيء. لا مجاري ولا تليفونات ولا كهرباء». لكن الرئاسة منة الناس لا منة الرئيس. والكهرباء واجب لا ترف. وربما لو قيض للرجل شجعان وصرحاء من قبل لتغيرت أمور كثيرة في بيته وفي البيت المصري. لكنها «البطانة»، كما يقول مكرم محمد. فهي إما لعنة أو بركة عبر العصور.

ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن سيف الإسلام القذافي أطلع والده على ما يعرف هو من هذا العالم. على حقيقة النظرة إلى الجماهيرية العظمى حول العالم. ماذا لو أنه قال له إنه لا يجوز إعلان الجهاد على سويسرا بسبب النجل هنيبعل وإنما يجب تلقين هذا درسا في معاملة البشر والكف عن تشويه سمعة بلده. لم يعد ينفع القول. الشيء الوحيد الباقي هو الأمل بأن تتحول المآسي التي حولنا إلى دروس. وبأن يضع الرئيس أمامه يوم الخروج لا يوم الدخول. فهذا هو ما يبقى.