فما الذي أحزن عبد الوهاب؟!

TT

فرغت من كتاب عن الأدباء والمفكرين والفنانين والفلاسفة الذين قابلتهم لأول مرة.. وكان عن انبهاري بهم وصداقتي الطويلة معهم. وهو كتابي رقم 211..

ونسيت ليلة أمضيناها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب. ولم يكن عبد الوهاب في أحسن حالاته. فقد أسمعنا أغنية «من غير ليه».. وتكلم عنها وكأنه يعتذر عنها. وقال ما معناه إن لم تكن أغنية واحدة فهي أكثر من أغنية.. وأشار من بعيد إلى أن الأغنية كانت بلا موسيقى إلا العود.. ثم ركّبوا لها الموسيقى.

وكنت قد سمعت من الأمير بدر بن عبد العزيز أن لديه هذه الأغنية بصوت عبد الحليم حافظ وبصوت صديقه محمد عبد الوهاب. ولا أعرف لم يطلب من الأمير أن يسمعنا هذه الأغنية.. لعله وعد ونسينا.. أو نسي.

وكنا تسعة من أصدقاء عبد الوهاب ومحبيه وعشاقه. وقد جلسنا على الأرض وعلى المقاعد واتخذ كل منا الوضع الذي يريحه. ونحن في نشوة من لا هو نائم ولا هو يقظان. وكنا نقاطع التسجيل بالحفاوة التقليدية: الله.. ما شاء الله.. ما هذه الروعة.. ما هذا الجمال. وأمامنا كعك العيد الذي قدمته السيدة نهلة القدسي زوجة عبد الوهاب. ولم تمتد يد إلى الكعك رغم إلحاحها. واكتفينا بما هو ألذ وأمتع.. صوت عبد الوهاب وموسيقاه..

ولسبب ما استأذن عبد الوهاب ودخل غرفته واستعد للنوم وتركنا في ما حدث. ولم نفهم ما الذي أحزن عبد الوهاب وكاد يبكيه. فالكلام حلو فيما عدا كلمة واحدة رأيت أنها غلط. ولكنها القافية. ففي نهاية الأغنية «مبتلي» وغناها بكسر اللام.. والصحيح أن تكون بفتح اللام. وإيه يعني؟ إنه عبد الوهاب.

وعرفنا أن عبد الوهاب يخشى أن يذيع الأغنية ورثة عبد الحليم حافظ بصوت عبد الحليم. وهو لا يطيق هذه المقارنة.. ولذلك بادر بتركيب الموسيقى على الكلام. وهي مهمة صعبة جدا. وقد استغرق من الموسيقيين أياما وليالي حتى ظهرت بالصورة البديعة التي سمعناها. وإن كان بعض الموسيقيين قد دلنا على عيوب لم نكن نعرفها. ولما عرفناها لم نشعر بها. والذين شعروا بها لم يضايقهم ذلك.. ثم إنه محمد عبد الوهاب!