غيتس يؤكد على المخاطر التي تتهدد الشرق الأوسط

TT

سان بيترسبرغ، روسيا - استعرض وزير الدفاع بوب غيتس القائمة القياسية للعوامل التي أدت إلى وقوع انقلابات سياسية بمختلف أنحاء الشرق الأوسط، من ثورة الشباب المفاجئة إلى البطالة والفساد. بدأت في طرح سؤال مختلف، لكن غيتس قاطعني، كما لو كان يرغب في التأكيد على المخاطر والشكوك التي تكتنف هذه اللحظة التاريخية.

قال غيتس إن حالة الاضطراب ألقت الضوء على «الاختلافات العرقية والمذهبية والقبلية التي طالما قمعت في المنطقة لسنوات»، وإن أميركا تشجع القادة على قبول التحول إلى النظام الديمقراطي، وهناك تساؤل، ألا وهو «هل يمكن لنظام حكم ديمقراطي أن يجمع... الدول معًا في ضوء هذه الضغوط»؟ إن الدلالة الضمنية هي أنه ثمة خطر ممثل في أن الخريطة السياسية للشرق الأوسط الحديث ربما تبدأ في التحول هي الأخرى، مع حدوث ما يمكن تسميته بالانشقاق في ليبيا.

إثر ذلك أشار غيتس إلى شيء نادرًا ما يعترف به صناع السياسة في خضم أية أزمة، وهو جهلهم بالنحو الذي تسير عليه مجريات الأمور، بقوله: «أعتقد أننا يجب أن ننتبه لحقيقة أن العواقب ليست محددة سلفًا، وأنه ليس بالضرورة أن تكون النهاية سعيدةً في جميع الأحوال.... فنحن في نفق مظلم ولا أحد يعلم ماذا ستكون العاقبة».

لقد كانت نبرة غيتس في المقابلة هادئة. لقد تحدث أثناء إحدى الرحلات التي يحتمل أن تكون آخر رحلاته للخارج قبل تقاعده المتوقع هذا الصيف، غير أن تعليقاته لم تكن تعبر عن احتفاء بانتصار، بل إنها عززت دوره بوصفه صوت إدارة أوباما المجسد للحذر والصدق. لقد بدا الأمر كما لو أنه كان يعكف على دراسة الصور الملتقطة عبر أقمار التجسس الصناعية ولم يستطع أن يتبين ما تكشف عنه هذه الصور.

وفي عشية التقاعد، ظهر غيتس في صورة الرجل الذي يستمتع بذكر معلومات تبدو حقيقيةً ولكنها تفتقر إلى الحكمة؛ ففي الوقت الذي كان المشرعون يتحدثون فيه عن فرض «منطقة حظر جوي» على ليبيا بوصفه إجراءً غير مؤلم، حذر غيتس من أن ذلك سيكون بمثابة هجوم عسكري. وفي خطاب ألقاه مؤخرًا في ويست بوينت، ذكر أن أي مدافع عن إرسال قوات عسكرية أميركية أخرى إلى الشرق الأوسط «ينبغي عليه فحص قواه العقلية».

بدأ غيتس عمله الحكومي منذ 45 عامًا مضت بجهاز المخابرات الأميركية، وهو لا يزال يحتفظ ببعض سمات الشك الحاد التي يتسم بها محلل الاستخبارات المتميز. إنه يحب الكشف عن الحقائق الزائفة المحيطة بالقرارات السياسية بحيث يتسنى لزملائه التعرف على المخاطر والحقائق الواقعية.

كنا نتحدث في يوم مضطرب في الوقت الذي كان غيتس يتلقى فيه تقارير تفيد باحتمال حدوث انقلاب ضد الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، ومزيد من الاحتجاجات العنيفة في سورية، فضلا عن الإجراءات العسكرية المثيرة للجدل في ليبيا. وأشار غيتس إلى أنه في كل اتجاه، يمكنك أن ترى تحولات في «هذه الصفائح التكتونية في الشرق الأوسط التي ظلت متجمدة في الأساس لمدة تقرب من 60 عامًا».

وأشار غيتس إلى أن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة هو إدارة عملية التغيير هذه - التي تعد وشيكة الحدوث بصرف النظر عن الإجراء الذي ستتبعه - بطريقة تدعم تحقيق الاستقرار. وقدم درسين للقادة الذين يواجهون اضطرابات؛ الأول: «استباق التغيير» بإجراء الإصلاحات اللازمة أولا، والثاني: تجنب العنف الذي «عادةً ما يأتي بنتائج عكسية». وقال إنه لو كان حسني مبارك قد قدم تنازلات في وقت مبكر، «لكان من المحتمل أن يظل رئيسًا لمصر حتى الآن».

لقد كان أحد العوامل المساهمة في تحقيق الاستقرار هو العلاقات الأميركية مع القوات المسلحة المحلية. وفيما يتعلق بمصر، حيث كانت تلك العلاقات موسعة، قال غيتس: «حقيقة لم يكن باستطاعتنا أن نكون أكثر حظًا فيما يتعلق بالنحو الذي آلت إليه الأمور، في قيادة المجلس العسكري». وفي اليمن، يوضح لنا اللواءات وقادة القبائل «أنهم يميلون بشكل إيجابي إلى جانب الولايات المتحدة».

أما عن ليبيا، فقد ذكر غيتس أنه قد تبددت مخاوفه الأولية إزاء فرض الحظر الجوي نتيجة الدعم العربي، وقال: «ما لم تكن الجامعة العربية قد صوتت بذلك، لكان من المحتمل أن تكون النتيجة مختلفة، على مستوى كل من الأمم المتحدة والقرار الذي اتخذناه».

لقد شب غيتس في سنوات الحرب الباردة في الوقت الذي كان فيه العالم، على الرغم من المخاطر التي تحدق به، ينعم بالاستقرار وبالقدرة على التنبؤ بمجريات الأمور. وتحدث عن الاضطراب الذي يشهده الشرق الأوسط حاليًا قائلا: «إننا لم نواجه مطلقًا شيئًا مثل هذا من قبل». وقد حدد قاعدة أساسية لاستخدام القوة العسكرية الأميركية: عند مواجهة تهديدات مباشرة من شأنها أن تزعزع استقرارها، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراء حاسم، وأحادي الجانب، إذا اقتضى الأمر». وفي حالات أخرى، مثل ليبيا، التي تربط الولايات المتحدة مصالح مشتركة معها، ولكنها لا تواجه تهديدًا مباشرًا منها، فإنها يجب ألا تشن حربًا إلا مع تحالف دولي.

ومن الجدير بالذكر أنه حينما طلب طلاب الكلية البحرية الروسية من غيتس ذكر أبرز إنجاز حققه، لم يذكر الحروب التي خاضها في أفغانستان وليبيا، ولكنه ذكر الحرب التي أنهاها في العراق. فهو يعتزم دون شك أن يترك لخليفته في المنصب شرق أوسط أكثر هدوءًا، حيث يلتحم التغيير والاستقرار معًا، ولكن كما عبر، «تلك مهمة صعبة».

* خدمة «واشنطن بوست»