هذا ما حدث في البحرين

TT

بعد أحداث التسعينات وما حدث فيها من تأزم للموقف السياسي والأمني وتدمير لبنية الوطن حتى كادت الأمور تجر البحرين إلى الهاوية وتصل بها إلى نتائج لا تحمد عقباها، وبعد أن تولى الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم وطرح المشروع الإصلاحي، الذي كان كالحلم لجميع أطياف المجتمع، وتحقق كثير من المكاسب والتحولات السياسية والاجتماعية في المجتمع البحريني، التي كانت لمصلحة الوطن، يأتي الآن من يحاول أن يقلب الطاولة على الجميع، ويحاول أن يؤزم الموقف من جديد، ولذا من حقنا أن نتساءل: من هو المستفيد من إيقاظ الفتنة؟ خاصة أن جميع أطياف المجتمع منخرطة في العملية السياسية، وقد نتعثر أحيانا، وهذا شيء طبيعي، ولكن المهم أن المشروع الإصلاحي يسير بشكل سليم وكما خطط له. للإجابة عن هذا السؤال الذي عليه علامات استفهام كبرى! هل نكتفي بالقول إن هناك رموزا من المعارضة تقوم بالتحريض على أعمال العنف والشغب؟

قبل 14 فبراير (شباط) 2011 في البحرين، وهو يوم الميثاق، حيث أجمع 98.4 في المائة من الشعب عليه، حينها كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، حيث كانت البحرين في شهر أكتوبر (تشرين الأول) قد شهدت انتخابات نزيهة، فازت فيها جمعية الوفاق، التي تمثل المعارضة الشيعية بـ18 مقعدا نيابيا في مجلس النواب، وحينها بعث علي سلمان رئيس جمعية الوفاق برسالة تهنئة لجلالة الملك على نجاح الانتخابات، وكانت البحرين مقبلة على المرحلة الثالثة من الحياة الديمقراطية، في إطار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي تم في عام 2000، وفجأة وقبل عدة أيام من 14 فبراير 2011 بدأت الشائعات في المجتمع البحريني تنتشر، بأنه سوف تكون هناك مسيرات واعتصامات تأسيا بما حدث في تونس ومصر، وبالفعل حدث ما حدث في البحرين في يوم الميثاق 14 فبراير.

على ضوء كل ذلك فالسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت الأمور قد سارت بهذا الشكل، إذن ما الذي جعل الأمور تنقلب فجأة وتصل إلى ما وصلت إليه؟ في اعتقادي أن تفسير هذا التطور يرجع إلى احتمالين؛ هما: الاحتمال الأول أن المعارضة الشيعية منقسمة على نفسها، فهناك حركة «حق» التي يرأسها حسن مشيمع، الذي كان حينها في لندن يعالج على حساب الحكومة البحرينية، وهدفها إسقاط النظام، وهي التي استغلت الظروف السياسية في العالم العربي لكي تجد الفرصة السانحة لها لتنفيذ هذا المخطط، على الرغم من وجود المرجعية المتمثلة في الشيخ عيسى قاسم للطائفة الشيعية في البحرين، وثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا سيطرة لهذه المرجعية على الجمعيات السياسية السبع، خاصة الشيعية منها، والدليل على ذلك أنه في الوقت الذي تدخل فيه جمعية «وفاق» البرلمان يكون هدف جمعية «حق» هو إسقاط النظام، وهذا ما صرح به علانية رئيس جمعية «حق» حسن مشيمع. الاحتمال الثاني، وهو الأرجح في رأيي، أن المرجعية الشيعية، فقط، لا سلطة لها على المعارضة الشيعية في البحرين، وإنما أكبر من ذلك، فالمرجعية الحقيقية هي في إيران، وهي التي وضعت المخطط، وأكبر دليل على ذلك رد الفعل الغاضب لإيران بعد تدخل قوات «درع الجزيرة» عندما تأزم الموقف.

ومن هنا، في رأيي أن الفتنة هذه المرة مصدرها ليس فقط داخليا بادعاء تأزم الموقف السياسي، وبذلك ننساق إلى مواقف من يقومون بالتحريض أو أصحاب بعض الأقلام أو القنوات الفضائية الذين لا يريدون لهذا البلد الخير. إن المسألة هذه المرة أكبر من ذلك، حيث وإن كانت هي في ظاهرها أعمال شغب وتدمير صبيانية إلا أن مصدرها خارجي، وبتوضيح أكثر وحتى نكون على وعي أكثر بما يدور حولنا لا بد لنا من نظرة شمولية للقضية وفي إطار إقليمي ننتمي إليه، حيث إن ما حدث ويحدث في دول عربية - بعضها مجاور لنا - من انقسامات وقتل وحروب وفتن طائفية ومذهبية، مثل ما حدث في لبنان وبعدها في الصومال والسودان والآن في العراق واليمن، حتى كادت تصل الفتنة إلى الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، عندما حاول الحوثيون دخول حدودها الجنوبية لولا عناية الله ووجود قيادة حكيمة عملت على حسم الموقف وبسرعة وحفظت المملكة وصانت أمنها من كل مكروه فهي البلد الآمن. أقول في رأيي إن ما حدث ويحدث هو بفعل قوى إقليمية أجنبية لا تريد لبلاد العرب الاستقرار والأمن، وهي الآن، ومن خلال المحرضين والمغرر بهم، تحاول مواصلة مخططها الشيطاني، ونقل نموذج الفتنة الطائفية والمذهبية إلى بلادنا، وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث إن التاريخ العربي الإسلامي يحدثنا أن كل الفتن والحروب التي حدثت في البلدان العربية الإسلامية ومنذ أوائل عهد الدولة الإسلامية، وبالتحديد بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان يقف وراءها عناصر أجنبية.

لكننا نقول لمن كانوا وما زالوا يصدرون الحروب والفتن الداخلية، إنكم أخطأتم الحسابات، فمملكة البحرين خلال تاريخها وتطورها السياسي لم تعرف الحروب والفتن الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد، وكانت تحيطها دائما عناية الله، وهي بلد الأمن والأمان رغم تعدد الانتماءات المذهبية والطائفية والحزبية فيها. ولذا وفروا عليكم الوقت والجهد، فأحلامكم ومحاولاتكم لن يكتب لها النجاح في نقل النموذج الشيطاني لهذا الوطن، حيث القيادة الحكيمة والشعب اليقظ الواعي لكل ما يحيط به من أحداث. وأكثر من ذلك أننا ننتمي إلى ثقافة واحدة، وهي الثقافة العربية الإسلامية، التي نستمد منها وحدتنا ومصيرنا المشترك، وأن التعددية المذهبية والطائفية هي سر وجودنا ومصدر عزتنا.

الحقيقة الأخيرة التي أريد أن أختم بها الموضوع، هي أن الذين وضعوا المخطط في إيران لم يضعوا في حساباتهم حقيقة واحدة، وهي التي قلبت عليهم الطاولة، وكانت السبب الجوهري في إفشال المخطط، وهذه الحقيقة لأول مرة تظهر في البحرين، وهي رد الفعل للطائفة السنية التي قلبت عليهم المعادلة عندما خرج أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألفا في البحرين، وبدأوا ولأول مرة في تنظيم أنفسهم في مثل هذه المواقف، واكتشفوا أن القضية ليست هي قضية مطالب معيشية وإنما هي أكبر من ذلك، ومن هنا أخذت طائفة السنة تنظم نفسها من منطلق أن عروبة البحرين هي خط أحمر لا يجب الاقتراب منه، وأن البلد يواجه خطرا خارجيا ذا جذور تاريخية، وهو الخطر الإيراني، ولذلك بدأوا تأسيس جبهة سميت الجبهة الوطنية، وتكونت اللجان الأهلية الوطنية التي قامت بأدوار كثيرة، ومنها لجان حفظ الأمن عندما تصاعدت الأحداث، نعم بحرين اليوم غير بحرين الأمس، ولكن باتحاد قيادة حكيمة وحليمة وشعب غيور على تراب وطنه لا يرضى الهزيمة، وستغدو بحرين المستقبل، بإذن الله، أفضل من بحرين الأمس واليوم.

* باحث أكاديمي