الزلزال الياباني!

TT

لا تزال تبعات زلزال الحادي عشر من شهر مارس (آذار) الذي أصاب اليابان تتوالى بشكل خليط بين ما هو مدهش ومرعب. فالزلزال وحده كان أحد أقوى الزلازل التي عرفها الإنسان منذ أن استطاع بتقنية متطورة رصدها وقياسها، فهو بلغ 8.9 درجة على مقياس ريختر، وهو بكل المعايير يعتبر زلزالا عنيفا جدا، وما هي إلا سويعات قليلة إلا وتبع الزلزال موجات عاتية يبلغ ارتفاعها العشرة أمتار أو أكثر وهي التي يطلق عليها ظاهرة التسونامي (وهو مسمى ياباني الأصل نظرا لأن هذه الظاهرة كانت تتكرر بشكل أساسي في المحيط الهادي).

وبعد التسونامي حصلت بوادر الكارثة الكبرى وهي أثر الزلزال على المفاعل النووي الكبير الموجود في فوكوشيما ودخوله في مراحل الانصهار الكبير نتاج الأثر المدمر عليه نتيجة الزلزال الهائل وبالتالي تسربت كمية خطيرة من الإشعاعات السامة مما اضطر السلطات اليابانية إلى وضع خطة طوارئ قصوى غير مسبوقة للتعامل مع الكارثة المتعددة الجوانب مما يثير التساؤل المهم: ماذا لو حصلت هذه الكارثة المهولة في بلد آخر غير اليابان ومع شعب آخر غير اليابانيين؟ سؤال الإجابة عنه فاجعة ولا شك..

اليابان دولة تعرضت للكثير من الكوارث الطبيعية من أعاصير وزلازل وبراكين وأيضا لكوارث بشرية، فهي الدولة الوحيدة التي تعرضت لجريمة إسقاط قنبلتين ذريتين عليها، التي أسفرت عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا مولدة «عقدة» تاريخية للتعامل مع الكوارث وبالتالي مولدة روحا استثنائية للتعامل مع الأزمات، وكذلك وضع خطط وإنشاء بنية تحتية شبه مثالية لمواجهة المخاطر المتوقعة مما جعل الكوارث التي أتت على اليابان تكون بخسائر معقولة نظرا لجاهزية اليابان شعبا وحكومة وبنية تحتية أيضا. وبعد زلزال كبير أصاب اليابان في العشرينات من القرن الماضي انطلقت اليابان بروح جديدة واتجهت للصناعة والعسكرة وولدت روحا قوية غزت بسببها محيطها الإقليمي في انتشار إمبريالي يذكره التاريخ جيدا.

واليوم، اليابان قد تكون على موعد تاريخي كبير جديد، فهناك مراجعة «داخلية» للتعامل مع هذه الكارثة الكبرى، حيث هناك مراجعة للأداء الحكومي ليتم من خلالها تقييم ونقد الأداء الحكومي في التعامل مع الأزمة. اليابان دولة سوية لا تتعامل بتطرف ولا مفاضلة ولا عنصرية مع بعض مناطقها (على عكس الولايات المتحدة الأميركية مثلا التي تعرضت حكومتها للنقد الشديد في مواجهتها إعصار كاترينا واتهمت بالعنصرية، نظرا لأن غالبية سكان مدينة نيو أورلينز المنكوبة هم من السود الفقراء وبالتالي كان الاهتمام بهم أقل)، وكذلك مراجعة روحية، فعمدة طوكيو المنكوبة إيشيهارا المعروف بآرائه الحادة والوطنية وهو صاحب الكتاب الشهير «اليابان التي تستطيع أن تقول لا» الذي ألفه مع صاحب شركة «سوني» موريتا وأثار ضجة كبيرة، يقول إن هذه الكارثة هي عقاب إلهي لليابانيين لأنهم باتوا شعبا أنانيا ولا يفكرون إلا في أنفسهم، ولا بد أن يتعظوا ويستفيقوا مما هم فيه. وإيشيهارا معروف بتدينه الشديد، فهو يتبع طائفة الشينتوا، إحدى طوائف البوذية المتشددة.

وكذلك هناك وقفة عزة أبية مجددا من اليابانيين، فهم رفضوا بشدة كل المعونات والمساعدات التي عرضت عليهم لاعتقادهم عن قناعة بأن لديهم المال الكافي لأنهم كيابانيين بطبعهم حريصون على التوفير وصرفهم محدود، وهم بالتالي يفضلون أن تبقى أموال الغير لتصرف على كوارث بلدان أخرى!

درس زلزال اليابان مستمر، فهو درس للحكومات في إدارة الأزمات وسينعكس على قطاع الصناعة النووية التي ستواجه بالرفض وبالتالي سيزيد الضغط على الدول النووية لتعود للطاقة التقليدية وبالتالي سيزيد الطلب على النفط بشكل محموم، وسيزيد الضغط (من المفروض) أن تمنع دول كإسرائيل وإيران وباكستان من تملك مفاعلات نووية لأنها دول غير مسؤولة أصلا! تخيلوا لثوان لو أن الزلزال الكارثي هذا كان في دولة غير اليابان!

[email protected]