هل تملك حركة 20 فبراير بث الحياة السياسية في الأحزاب المغربية؟

TT

ربما استغرب الكثير ممن يتابعون الشأن المغربي عموما، والملاحظون لظهور الحركة الشبابية التي تطلق على نفسها حركة «20 فبراير»، هذا الربط بين الأحزاب السياسية في المغرب وبين حركة انبثقت من خارج هذه الأحزاب. لا بل إن الأحزاب السياسية المغربية في أغلبها الأعم، إلا استثناءات قليلة، أبدت صورا شتى من التحفظ في الحركة المذكورة بل إن البعض منها بادر إلى إدانة الحركة وإلى التشكيك والفر إلى الجهة أو الجهات التي تكون خلفها. من ثم يصح القول أيضا إن البعض، ونحن نعي هذا تمام الوعي، يستفظع تساؤلنا في عنوان المقال عما إذا كان في وسع حركة «20 فبراير» بث الحياة في الأحزاب السياسية في المغرب. والحديث عن بث الحياة أو بعثها من جديد يتجاوز الكلام عن إحداث خلخلة أو دينامية من نوع ما.

نعترف أن التساؤل غريب، بل وربما كان مثيرا للدهشة والاستنكار معا، غير أن المنهجية العلمية الرصينة تعلمنا، بكيفيات شتى، أنه ليست هناك على الإطلاق أسئلة سخيفة أو ساذجة بل إن الأجوبة وحدها تكون، في الغالب، كذلك.

وقبل الخوض في السؤال الذي طرحناه أعلاه يلزمنا، توخيا للوضوح والمسؤولية معا، أن نقول في حركة «20 فبراير» قولا يسيرا. والرأي عندنا أن حركة «20 فبراير» يصح اعتبارها، من حيث العمق، نسخة مغربية أو تعبيرا مغربيا عن هذه الحركة الشبابية العامة والعارمة التي لا يبدو أن جزءا من العالم العربي الفسيح سيكون في موقع الاستثناء منها. وأيا ما اختلفت الأقوال فإن هناك، في العالم العربي الكبير، اشتراكا في الانتماء إلى العروبة، ومن ثم إلى الثقافة الواحدة المشتركة أو القاعدة العامة المشتركة وهذا من جهة أولى، كما أن عوامل شتى ثانية، لا تزال تفعل فعلها في تعميق هذا الشعور بالانتماء المشترك وإن كان ذلك على نحو يكذب، للأسف، الأطروحات التي لاكتها الألسن زمنا طويلا، وهي التي تتصل بنظريات القومية العربية والأوهام التي عاشت عليها واقتاتت منها بعض الأنظمة زمنا غير يسير. والرأي عندنا كذلك أن ما عبرنا عنه، أكثر من مرة، بالتلوينات المحلية (حتى لا نسقط في متاهات خطاب «الخصوصية» - المليء بدوره بأوهام شتى) يجعل إشكال بلورة ما تستشعره الحركة، في هذا البلد أو ذاك من البلدان العربية، مختلفا كما أن البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن التشكلات الثقافية المحلية أيضا، تساهم في ذلك (نحن أمام مظاهر شتى، حية، مباشرة تطالعنا بها نشرات الأخبار وأنماط البث الحي، بكل تأكيد، تساهم في تعميق الوعي بالعروبة وبالانتماء إلى الثقافة الواحدة وبالتالي إلى الاشتراك في الآلام والأحلام والتطلعات إلى الحرية والديمقراطية والكرامة).

حيث كان الشأن كذلك فإن حركة «20 فبراير» في المغرب تقتضي أن تدرك في مجمل المعطيات المغربية (التلوينات المحلية) مما يحمل، فعلا، على الانتباه فيها إلى جوانب المغايرة والتمايز. غير أننا نود، من جهة أخرى، أن نقول، من جهة النظر التي نصدر عنها أن حركة «20 فبراير»، في جوانب فيها تعكس كافة أشكال التطلع إلى الديمقراطية ومحاربة الفساد والإعلاء من شأن القانون وإحقاق الكرامة والمشاركة في الشأن العام. وإذ نحكم، بما تحمله الحركة من شعارات، فإننا نقول إن الكثير منها يعبر، صدقا، عما يطلبه الشعب المغربي وما أتى خطاب الملك الأخير ليدعمه ويعبر عنها، في دعوته إلى إحداث إصلاح دستوري عميق في البلاد. غير أن في الحركة، في مطالب منها، ما نقول إن لنا فيه رأيا مختلفا، بل الحق إنه مخالف، مما يستدعي القول فيه إفراد حديث أو أكثر لتوضيحه.

يوم الأحد الماضي (20 مارس «آذار»)، بعد شهر واحد من الخروج الفعلي في 20 فبراير (شباط)، شهد خروجا فعليا أكبر، من الناحية العددية من الخروج الأول وأكثر نجاحا بل وتأثيرا من الخروج الأول بالنسبة للجماهير الغفيرة التي سارت في مسيرات في خمسين مدينة مغربية أو أكثر قليلا - نجاح بالنسبة لكل السلطات الأمنية (ومن ثم الدولة)، ونجاح بالنسبة لكل المشاركين في المسيرة: ذلك أنه لم تسجل حوادث عنف، أو اشتباكات ولم تعرف المسيرات انحرافات ولا أعمال «بلطجية» (كما يقول الإخوة المصريون) - بل إن شباب المسيرات كانوا يشكلون طوقا حارسا للممتلكات العمومية والخصوصية في الوقت الذي كان يهتف فيه بشعارات تطالب بالتغيير ومحاربة الفساد وإحقاق الكرامة والرفع من سلطان القانون، والفصل في الحياة العامة بين السلطتين المالية والسياسية.

أما موضع السؤال (عنوان المقال) فيرجع إلى أمور ثلاثة نسوقها على النحو التالي:

الأمر الأول، هو أن الأحزاب السياسية في المغرب، غداة مسيرة 20 فبراير، عرفت محاولات اختلفت بين الرغبة في احتواء الحركة ومطالبها، والكف عن إدانتها، والقول إنها تستحق الإنصات إليها.

الأمر الثاني، هو أن حركة «20 فبراير»، في صورتها يوم الأحد الماضي، استطاعت أن تستقطب إليها بعضا من التنظيمات الشبابية للأحزاب السياسية المغربية لم تشارك في المسيرات وفي المطالب بحسبان أصحابها أشخاصا يتحدثون بصفتهم الذاتية بل باعتبارهم تنظيمات تنتمي إلى أحزاب مسؤولة.

الأمر الثالث، (هو ما كان في الواقع موضوع حديثنا في الأسبوع الماضي - «الحزب السياسي في سيرورة الإصلاح في المغرب»). يتصل بالإصلاح الدستوري العميق في المغرب وبالصورة الجديدة - الكيفية فعلا لا ادعاء – التي ستغدو عليها مسؤوليات الحكومة، والوزير الأول، والجهات (في صورتها الجديدة) وهذه جميعها، بكيفيات عميقة، (تجعل الحزب السياسي في المغرب وجها لوجه أمام المسؤولية الأولى والأساس لكل حزب سياسي مسؤول: تكوين الرجال والنساء وإعدادهم للحياة العامة.

وجه الربط بين «20 فبراير» والأحزاب السياسية في المغرب هو حاجة هذه الأحزاب إلى الاستلهام من الروح الشبابية الخلاقة في حركة «20 فبراير». الأحزاب السياسية في المغرب، الترجمة الفعلية لدولة الملكية الدستورية التي يرتضيها المغاربة، تستدعي حركة شاملة يكون بها تحريك المياه الآسنة وإحداث حركة إصلاحية عميقة. إنها في حاجة إلى عمليات تطهير وتخليق شاملين وإلى عملية تشبيب وإحقاق لمبدأ التداول على المسؤوليات الأولى لا على احتكارها.

أحزابنا في حاجة أكيدة إلى إحداث تكتلات كبرى استعدادا لورش الإصلاح الدستوري - وتلك قضية أخرى - ولكنها، تمهيدا إلى ذلك في حاجة إلى استلهام روح التغيير والثقة بالغد.