لبنان.. بين الـ«س ـ س» والـ«س ـ ش»

TT

ليس كاللبنانيين شعب يفتعل المشكلات في الداخل ويلقي على الخارج مسؤولية حلها. الاتكالية السياسية، وعلى الخارج تحديدا، جزء عضوي من قاموس اللبنانيين السياسي.

حربه الأهلية الأخيرة كان يمكن أن تدوم لليوم.. لولا تدخل عربي غير مسبوق أتاح للخارج (العربي الصِرف هذه المرة) أن يضع حدا لها في الطائف بعد خمس عشرة سنة من اندلاعها.

ربما استمرأ اللبنانيون، بعد اتفاق الطائف، «الوساطة» الخارجية في كل نزاع من نزاعاتهم الداخلية، بدءا باختيار رئيس جمهوريتهم وانتهاء بتشكيل حكومتهم ومرورا بتحديد استراتيجيتهم الدفاعية.

شغفهم بالتدخل الخارجي في مشكلاتهم الداخلية بلغ حد صياغة شعار «وطني» له لخصه رئيس مجلسهم النيابي، نبيه بري، بـ«س - س»، أي تفاهم السعودية وسورية على الحل - بصرف النظر عما يفترضه هذا الشعار من «تدخل» لبناني في العلاقة الثنائية بين السعودية وسورية.

اللهم لا اعتراض على وساطات عربية مخلصة تنقذ اللبنانيين من شر اللبنانيين أنفسهم. ولا غرابة أن يكون منحى التجييش الذي يطبع تحركات قوى «8 آذار» و«14 آذار» معا، منذ استقالة - والأصح إقالة - حكومة الرئيس سعد الحريري، عملية «استدراج» جديدة لتدخل خارجي في أزمة لبنان الداخلية.

ولكن إذا كان لبنان بلد الاتكالية فهو قبل كل شيء بلد التورية السياسية بامتياز. لذلك يجوز التساؤل: هل إن خلاف الفريقين المتخاصمين في لبنان هو على دور سلاح حزب الله وقيام دولة السيادة الكاملة على كل أراضيه أم على وراثة عرش «المارونية السياسية» - إبان مجدها - في التفرد، أو شبه التفرد، في حكم لبنان؟

مهما تعددت عناوين النزاعات السياسية في لبنان، ومهما تباينت توصيفاتها الآيديولوجية، يبقى واقعها المرير واحدا: توسل الطائفية للعودة إلى نظام التفرد في القرار اللبناني الداخلي والخارجي.

واضح أن أزمة لبنان اليوم لا تعود إلى غياب الـ«س - س» عن حلها بقدر ما تعود إلى صراع الـ«س - ش» على أرضه: أي السباق السني - الشيعي المحموم على الاستئثار بالسلطة والجاري بالأصالة عن الداخل.. والوكالة عن الخارج معا.

على خلفية آيديولوجيات التورية اللبنانية كان يمكن إدراج هذا الصراع في خانة النزاعات «الديمقراطية - المذهبية» المعهودة في لبنان منذ «استقلاله».

ولكن خطورته الاستثنائية، اليوم، تعود إلى عاملين أساسيين:

- زج الفريق الشيعي لعامل السلاح في ميزان الصراع الداخلي بحيث أصبح محكوما باعتبارات غير سياسية، مما يهدد بانزلاقه في دوامة المواجهة الشيعية - السنية القائمة على مستوى المنطقة بأكملها.

- تقليص دستور الطائف للدور المسيحي في المعادلة اللبنانية، الأمر الذي فاقمه الانقسام النصفي بين مكوني الوجود المسيحي في لبنان - أي التيار «العوني» والتيار «القواتو - كتائبي» - والنزف الذي أصاب هذا الوجود من جراء الهجرة المسيحية الواسعة إلى الخارج.

حصيلة هذه التحولات الدستورية والسياسية والديموغرافية جعلت استقرار لبنان رهين تفاهم طائفتيه الأكثريتين: السنية والشيعية، أي، عمليا، التقاء «الكوندومنيوم» السني – الشيعي (غير المعلن) على رؤية واحدة وموحدة لدور لبنان في المنطقة. شئنا أم أبينا، بعد دستور الطائف وتهميش دور الأقليات المسيحية وغير المسيحية في صناعة القرار اللبناني، أصبح استقرار لبنان أمانة حصرية في يدي أكثريتيه الطائفتين السنية والشيعية.

من هنا التساؤل: ما جدوى تفاهم الـ«س - س» على متطلبات استقرار لبنان الداخلي ما دامت فعاليته تقف عند حدود الخلاف الدائر على جبهة الـ«س - ش»؟

ربما كان الأجدى بالطوباويين الذين نزلوا إلى شوارع بيروت داعين إلى إلغاء الطائفية - وهي في نهاية المطاف منطلق علاج لبنان من علله - أن يبدأوا بالمطالبة بتطبيق نظام تمثيل مذهبي أقل خللا من النظام الحالي، أولا لكسر حدة الخلاف السني - الشيعي، وثانيا لإتاحة المجال لبروز ثقل سياسي ثالث قادر على إعادة بعض التوازن إلى اللعبة السياسية الداخلية في لبنان.