غازي علي.. من يجرؤ على نسيانك؟!

TT

تلقيت قبل أيام اتصالا من الفنان السعودي الكبير غازي علي، إثر قراءته لروايتي «مقام حجاز» التي صدرت منذ أقل من شهر، وامتد بنا الحديث عن الروايات إلى الشعر إلى الكتب، حتى لتشعر أن هذا الموسيقي الكبير لم يبق لموهبته الأساسية في الموسيقى إلا النذر اليسير من الوقت، وهذا ليس صحيحا في المجمل، فغازي علي مثقف كبير، وذلك ما يفرق بينه وبين الكثير من الفنانين، وكأني أشعر بغربته مع الكثير من المجتمع الفني، فهو غريب في عيون الآخرين، والآخرون غرباء في عينيه، فهو واحد من أهم المثقفين، ومن أهم الفنانين، ومن أوسعهم علما بالموسيقى.

استطاع قبل أن يدرس الموسيقى، ويحصل على بكالوريوس التأليف الموسيقي من معهد الكونسرفتوار في القاهرة أن يضع يده على مفاتيح التراث لينتج في وقت مبكر جدا مجموعة من الروائع الخالدة: «في ربوع المدينة»، و«شربة من زمزم»، و«يا العشرة»، وبعد تخرجه قدم مقطوعات موسيقية عديدة أخالها تتجاوز ثقافة الكثير منّا الموسيقية، ولذا استقبلت بالكثير من الصمت من قبل النقاد، رغم خلو الساحة الفنية من نقاد متخصصين في الموسيقى، حتى القادرون منهم على تقديم هذا النوع الراقي من النقد أمثال: الدكتور عبد الرب إدريس، وطاهر حسين، ومحمد شفيق يؤثرون البقاء في خندق المبدعين بعيدا عن النقد بكل ما يمكن أن يثيره في وجوههم من نقع الجدل، واختلاط العالم بالمتعالم، وأفضل ما يمكن أن يوصف به غازي علي هو أنه فنان يسبق ذائقتنا الفنية، وقد نحتاج إلى زمن من الثقافة الموسيقية لنتعامل مع أعماله ورؤاه بما تستحقه من احتفاء وتقدير.

ولو أنصف هذا الفنان الكبير غازي علي من مجتمعه السعودي لكانت له الزعامة الموسيقية؛ موجها ومنظرا ومعلما، ولم يزل يدهشني تغاضي جمعية الثقافة والفنون عن محاولات جذبه لغرسه في دروب شباب الفنانين راية وفنارا وملهما، فمن الظلم لنا قبل أن يكون من الظلم له أن يكون دوره الفني حاليا محصورا في تلك الدروس الخصوصية المحدودة التي ينشغل بها لتأمين لقمة عيشه.

حبيبنا غازي علي هل سمعت بالمثل الشعبي: «أعطني حظا وارميني في البحر؟!»، ومثلك يحتاج إلى قنطار من الحظ.

[email protected]