التدويل

TT

تخيل أن جنرالا في الجيش يطلب من عريف أن يتولى القيادة عنه. هذا تماما ما تطلبه أميركا من حلفائها، في حرب ليبيا. صحيح أنها الأقوى ضمن التحالف، لكنها لا تريد البقاء في الواجهة. وما على الراغبين سوى رفع الأيدي. لكن المشكلة أنها الوحيدة التي تملك حاملات الطائرات. بريطانيا ترسل مقاتلاتها طوال 8 ساعات تحليق وتزودها بالوقود في الجو مرتين خلال الرحلة. وفرنسا ليس لديها سوى حاملة طائرات واحدة، «شارل ديغول»، وقد أرسلتها. وإيطاليا التي وضعت 7 قواعد في تصرف الحلف، تكتفي طائراتها بالتحليق دون القصف، لأنها لا تريد أن تذكر الليبيين بأيام الاستعمار. ولكنها لا تريد أيضا أن تأخذ فرنسا القيادة، لأنه إذا انتهى حكم القذافي، فسوف تفوز هي بعقود النفط وإعادة البناء. أوباما يخشى من آثار ليبيا على معركة التجديد، ونيكولا ساركوزي يطلبها من أجل أن يجدد. ناخبو الأول، يرون ليبيا بلدا بعيدا، وناخبو الثاني يعرفون أن ساحلا واحدا يربط شمال أفريقيا بفرنسا.

تأخر الغربيون في التدخل الجوي لأنهم انتظروا غطاء عربيا. والغطاء العربي تردد بسبب مشهد الميادين المكتظة. لكن الجميع في داخلهم كانوا يخشون ارتداد كتائب القذافي على شعبها، من الغرب إلى الشرق، ومن حدود تونس إلى حد مصر. وأعطى الأخ القائد بنفسه كلمة السر عندما أعلن أنه سوف يقاتل «بلا رحمة»، وهي الكلمة التي تمسك بها أوباما، عندما أعلن من البرازيل بدء الحظر الجوي. فعندما قال الأخ القائد، الذي ليس رئيسا ولا رئيس حكومة ولا قائد جيش ولا يحمل أي صفة رسمية على الإطلاق، إنه سوف يهاجم «بلا رحمة»، اقتنع العالم أخيرا بأنه كان جديا عندما دعا إلى «شد الجرذان» ومطاردة الكلاب وملاحقة المهلوسين. شدوهم. شدوا الجرذان.

تسليم القيادة إلى «الأطلسي» كان الحل الذي أراح أميركا وأزعج فرنسا. لكن المسألة الليبية دخلت مرحلة التدويل على أي حال. فقد تذكر الأفارقة أن نزاعا دمويا يدور في شمال القارة وذهبوا إلى أديس أبابا يتدارسون وساطة بين المعتدي والمعتدى عليه. أو بالأحرى بين العصابات المسلحة وملك ملوك أفريقيا المذهب.

غريبة المصادفة. الأمم المتحدة هي التي كانت وصية على استقلال ليبيا الموحدة، وهي الآن تحاول إنقاذها من التقسيم. والرجل الذي طالما منّ على الناس بأنه حرر ليبيا من قواعد أميركا وبريطانيا، طبعا دون ضربة كف، هو الذي استدعى أساطيل العالم، بينما الليبيون يهزجون في شوارع بنغازي.