مرتبك وحائر من القرار بشأن ليبيا

TT

هل أنا وحدي الذي يعاني من الارتباك الكامل بشأن عقلانية وأهداف واستراتيجية التدخل الأميركي في ليبيا؟

كلا، لست وحدي الذي يعاني من تلك الحالة.

أنا أسميها العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، فمن دون القيادة الدبلوماسية الأميركية ما كان ليصدر قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. ومن دون القيادة الأميركية ما كان ليشن هجوم الصدمة والترويع المنسق لرد قوات القذافي الهائجة على أعقابها. وغير أننا سمعنا يوم الخميس الماضي، بعد أيام من المشاحنات، عن بيان كبير بأن «الناتو» سيتولى قيادة جزء على الأقل من العملية. لا تصدقوا ذلك، فالولايات المتحدة ستظل متولية زمام العملية من الناحية العملية، ومن ثم تقع في مأزق خطير حتى ينتهي الأمر.

إذن، ما هذا الذي نقوم به هناك؟ أنا أدرك أن مستشاري الرئيس أوباما أجابوا عن هذا السؤال مرات كثيرة، لكني أشعر بأنه من الضروري المداومة على ترديد السؤال ذاته حتى تكون الإجابة مقنعة.

تتلخص المهمة الرسمية التي اضطلعت بها تحت عباءة الولايات المتحدة في حماية المدنيين، أو بعبارة أخرى هو بالأساس تدخل إنساني، أنا أدرك ذلك بالفعل، فبعد الرعب الذي شهدناه في رواندا ودارفور والبوسنة، أقر بأن هناك حجة عقلية وأخلاقية قوية في استخدام القوة العسكرية - والمجازفة بأرواح الأميركيين - عندما يتضح أن المذابح وشيكة وهناك إمكانية للحيلولة دون وقوعها.

كانت أرتال قوات القذافي تتقدم صوب بنغازي بينما كان عدد من معاقل الثوار الأخرى مثل مصراتة تحت الحصار. وكما قال أوباما في البرازيل: «لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي، في الوقت الذي يقول فيه الطاغية لشعبه إنه لن تكون هناك رحمة.. هناك رجال ونساء أبرياء يواجهون أعمالا وحشية وقتلا على أيدي قوات حكومتهم».

ويبدو من الواضح لي أنه ستكون هناك مناسبات يكون التدخل العسكري فيها هو واجبنا. ربما تكون الحالة الليبية واحدة من تلك، لكن الهدف ينبغي أن يكون وقف حمامات الدم، لا إعادة جدولته فقط. وحتى بعد اندحار قواته أمام الضربات الجوية الأميركية والفرنسية والبريطانية، كان القذافي لا يزال متفوقا على خصومه في الرجال والعتاد. وما لم نتخذ صف المتمردين صراحة - وتقديم الدعم الجوي لتقدمهم، على سبيل المثال - لكان من الصعب تخيل كيفية سيطرتهم على هذا القدر من الأراضي.

الحقيقة، كما يبدو لي أنه ما دام أن القذافي لا يزال موجودا في السلطة، فإن المدنيين الليبيين في خطر، لا في بنغازي والمناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين فقط، بل في طرابلس وباقي أنحاء ليبيا الخاضعة لسيطرة الحكومة، فهناك أحياء في العاصمة أظهرت معارضة علنية للقذافي في بداية الانتفاضة، أليس هؤلاء المدنيون في خطر داهم؟ ألا يحتاجون إلى الحماية أيضا؟

والسبيل الوحيد لإنهاء هذا التهديد هو الإطاحة بالقذافي، وهو ما ترغب الولايات المتحدة في القيام به. فقال أوباما في كلمة له الأسبوع الماضي: «إن هدف الولايات المتحدة رحيل القذافي»، لذا هل هذا ما نقوم به حقا في ليبيا، إسقاط ديكتاتور وحشي؟

كلا على الإطلاق، فالمهمة العسكرية مقصورة تحديدا على هدف إنساني هو حماية المدنيين. وبحسب البيت الأبيض، فإننا لا نأخذ جانب المدنيين، نحن لا نستخدم القوة العسكرية للإطاحة بالقذافي. حسنا ربما يطلق أحدهم صاروخ «كروز» عرضيا على مقر إقامته، لكن ذلك لن يكون تغييرا للنظام. ربما يسهل القذافي المهمة علينا ويهرب إلى واحدة من الدول القليلة التي يمكن أن تبدي استعدادا لقبوله. لكن على الرغم من القصف الذي يتعرض له فلا يزال القذافي بعيدا عن أن يهزم. وماذا لو قرر البقاء والقتال، كما تعهد بذلك على الدوام، ثم ماذا؟

كي ننجز تفويضنا بحماية المدنيين، يجب علينا أن نطبق منطقة حظر الطيران إلى أجل غير مسمى، وسيكون علينا أيضا أن نقدم عشرات الأطنان من المساعدات حتى لا يتضور المتمردون جوعا. لكن إذا لم نقدم لهم الأسلحة أيضا، فسيكون من غير الواقعي أن نتوقع حمل أصحاب المتاجر وسائقي السيارات للقضاء على ما تبقى من جيش القذافي المحترف.

لذا هل هذه هي النتيجة المتوقعة، مجموعة مع القذافي تحتل وتسيطر على العاصمة والبنية التحتية لإنتاج النفط، في الوقت الذي أصبح فيه المتمردون تحت وصاية الأمم المتحدة؟ أم أن هناك إمكانية لأن تتحول ليبيا إلى صومال آخر، كما تخشى وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون؟ والآن نحن متورطون في ليبيا، وربما كان السبيل الوحيد للخروج من ليبيا هو خلع العقيد القذافي، وهو الأمر الوحيد الذي لا يسمح فيه لقواتنا بالقيام به. ومن هنا تأتي حيرتي.

* خدمة «واشنطن بوست»