الدعة والادعاء

TT

كان أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن حمد، كلما سئل عن رأيه في النزاعات العربية قال «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه». فالبحرين دولة صغيرة، وكل ما تطلبه فيه من الدعة أكثر مما فيه من الادعاء. وعندما وصل الشيخ حمد بن عيسى إلى الحكم، كان أول ما فعله الحرص على ألا يبقى في البلد سجين سياسي، أو بحريني في الخارج.

كانت البحرين نموذج الدول الصغيرة، ليس في الخليج بل في آسيا. سعت، اقتصاديا، إلى الإفادة من حركة النمو العامة في الخليج. وسياسيا وسع الملك دائرة المشاركة إلى مستويات غير مألوفة، في البرلمان وفي الصحافة. وكان الشرط الوحيد ألا يسيء أحد إلى علاقة الدولة مع الآخرين، عربا أو غير عرب.

رأت المنامة في سنغافورة نموذجها الأقرب إلى السكان: الانصهار الاجتماعي بين أسرتي البلد الأساسيتين، واقتصاد الخدمات كبديل عن الافتقار إلى الثروات الطبيعية. واستطاعت خلال العقد الماضي أن تنتقل، على كل الصعد، من مرحلة إلى مرحلة.

هل كان من سبب لأن تنفجر المظاهرات في البحرين، لمجرد أنها انفجرت في القاهرة وصنعاء؟ في مصر فاز حزب الرئيس مبارك بعموم أصوات مجلس الشعب في اقتراع شارك فيه 8% من الناس. أما في البحرين ففازت المعارضة، خصوصا «الوفاق»، بالأكثرية النيابية. لكن كان أول ما فعله نواب «الوفاق» هو الاستقالة «النهائية» من المجلس. مرة يكون المطلب هو البرلمان، ومرة يكون إغلاقه. لقد أقيمت البرلمانات لكي تغني الناس عن النزول إلى الشارع وضرب الاستقرار والاقتصاد وتعريض الممتلكات العامة للخراب. ولو كان البرلمان المصري هو برلمان مصطفى النحاس لما نزل الناس إلى ميدان التحرير. وُجدت البرلمانات كي تسهر على التطوير الإداري والاجتماعي، وتراقب أداء الجهاز التنفيذي، وتساعد على وضع القوانين ورسم الخطط. هذه قضايا لا يمكن أن تتحقق في الشارع. نزل فيلسوف بريطانيا برتراند راسل إلى شارع لندن، ونزل فيلسوف فرنسا جان بول سارتر إلى شارع باريس. ولم يصدر عن شارعيهما قانون واحد، أو مشروع واحد. لا نعرف ما هو مشروع القانون الذي رفضه برلمان البحرين.. أو ما هو القانون الذي يستحق أن يوضع مصير البحرين ووحدتها بسببه على المحك. ولا أحد يعرف سبب رفض الدعوة إلى الحوار. الذي نعرفه الآن أن تلك الدولة الصغيرة الهادئة التي كانت تغبط على طمأنينتها تحولت إلى بلد خائف، ليس فقط من أطماع الخارج بل من عداء الداخل. لم يكن هناك أفضل من الدعوة إلى الحوار، ولا كان هناك أسوأ من رفضها.