أيهما أقرب إلى الله

TT

الرحالة الأندلسي المشهور (محمد بن جبير)، كان من كتاب أمير غرناطة الموحدي (أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن)، فأراد يوما أن يتباسط معه فاستدعاه ليكتب له خطابا وهو في مجلس شراب، فقدم له كأسا من الخمر لم يقبلها في البداية، غير أنه تحت إلحاح الأمير وإصراره على أن يشرب منها سبعا، رضخ لذلك.

ويقال إنه ندم بعد ذلك ندما شديدا، وعزم على أن يكفر عن ذلك بأن يحج إلى بيت الله الحرام، وتحققت له هذه الفرصة في عام (578 هجرية - 1082 ميلادية).

أحداث الرحلة طويلة ومثيرة، غير أنني سوف أقتطع لكم منها أول صلاتين صلاهما الأولى في مكة المكرمة، والثانية في المدينة المنورة

وعندما كان في المسجد الحرام، إذا بمجموعة من (البدو) الأعراب قادمين من بلادهم البعيدة يطلبون المغفرة (وعلى نياتكم ترزقون)، وبما أنهم جهلة بطقوس دينهم فقد لفتوا نظره ويقول عنهم:

«وأما صلاتهم فلم يذكر في مضحكات الأعراب أظرف منها، يستقبلون البيت فيسجدون دون ركوع، وينقرون بالسجود نقرا، ومنهم من يسجد السجدة الواحدة، أو السجدتين، أو الثلاث، أو الأربع، ثم يرفعون، ويلتفتون يمينا وشمالا التفات المروع، ثم يسلمون، وبعضهم يقوم دون تسليم ولا جلوس ولا تشهد، وربما تكلموا في أثناء ذلك، وربما رفع أحدهم رأسه في سجوده إلى صاحبه، وصاح به، ووصّاه بما شاء، ثم عاد إلى سجوده، إلى غير ذلك من أحوالهم الغريبة، وعلى ما وصفنا من أحوالهم في الصلاة، فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح».

أما في صلاة الجمعة في مسجد رسول الله فيقول: «وما إن أتم الإمام خطبته الأولى حتى جلس جلسة طويلة خالف فيها جلسة الخطباء، وابتدر خدمه يخترقون صفوف المصلين، ويتخطون الرقاب، يتسولون من الأعاجم لهذا الخطيب القليل التوفيق، فمنهم من يعطي الثوب النفيس، ومنهم من يخرج الشقة الغالية من الحرير، ومنهم من يخلع عمامته فيعطيها، ومنهم من يتجرد من برده فيلقي به إليه، ومنهم من يعطي القراضة من الذهب، ومنهم من يمد يده بالدينار والدينارين، ومن النساء من تطرح خلخالها، وتخرج خاتمها فتلقيه، إلى ما يطول وصفه، والخطيب أثناءها جالس بين الخطبتين يراقب تجميع الصدقات، إلى أن كاد الوقت ينقضي، وتفوت الصلاة، فضج الناس وصاحوا، فلما اجتمع للخطيب من ذلك السحت كوم عظيم أمامه، قام وأكمل الخطبة، وانصرف بعد الصلاة أهل التحصيل، باكين على الدين، يائسين من فلاح الدنيا، متحققين أشراط الآخرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد».

ويخلص ابن جبير بعد ذلك قائلا - ما معناه - أن أولئك الأعراب الجهلة هم أقرب لله وأكثر إيمانا، من ذلك الإمام الخطيب المتفقه الذي استغل منصبه وفي مسجد رسول الله لأكل (السحت) نهارا جهارا.

وإنني أضم صوتي إلى صوته، ومثلما قيل: ليس كل من ركب الحصان خيالا، فكذلك أيضا ليس كل من اعتلى المنابر، وليس كل من أمسك (بالميكروفونات)، وليس كل من ظهر على الفضائيات هو رجل دين يستحق الاحترام.

ما أكثر الذين يستحقون الرجم بقشر البطيخ.

[email protected]