العسكري والروائي

TT

ثمة مفهوم ضمني واحد لمصطلح المثقف وليس هناك تعريف مبسط له. وقد ميز سارتر رجل المعرفة، أو العلم، عن المثقف، بأن الثاني ينخرط في القضايا العامة، خصوصا الاحتجاجية، بينما يبقى الأول في عالمه الأكاديمي. والظاهرة الواضحة في حركات الاعتراض العربية أن المثقفين كانوا على هامشها أو غيابا عنها. وغالبا لأن وجودهم ملغي تماما كما في ليبيا مثل أي حضور منير آخر، أو مغيب في تداخلات النسيج المعقد كما في اليمن. وأما في مصر، حيث يفترض أن نسبة المثقفين هي الأعلى، فلم يبرز تيار أو مجموعة أو سرب تقدم أهل ميدان التحرير. وقد حدث نوع من الجدل حول دور الروائي علاء الأسواني، الذي كان من معارضي النظام سواء في عمله الأدبي (شيكاغو) أو في مقالاته في «الشروق». وقد انضم الأسواني إلى شباب 25 يناير (كانون الثاني) في الميدان نفسه، ولا أدري في أي مرحلة. وفي حوار تلفزيوني مع رئيس الوزراء السابق، الفريق أحمد شفيق، تبادل العسكري والأديب المواقع.

أظهر الأسواني حدة بالغة في المخاطبة وأظهر شفيق هدوءا جما. وفي أعقاب ذلك استقال الرجل القوي وعاد إلى مكتبه، ولم يكن للروائي منصب يستقيل منه، فعاد على الأرجح إلى ميدان التحرير. تابعت ردود فعل الناس على موقع صحيفة «الشروق» ولم أفاجأ على الإطلاق: الأكثرية الكبرى من القراء مع العسكري، رغم أنها مع الثورة. والأكثرية في الأكثرية تستنكر أسلوب الأسواني في مخاطبة رجل وقور، صبور، ومؤدب. وأنا الذي كتبت بإعجاب عن الأسواني الروائي منذ اليوم الأول، وأكتب ضد تدخل العسكريين في السياسة، كنت مع أحمد شفيق، وتمنيت لو أنه لم يستقل، كما تمنيت خصوصا لو أنه لم يقدم اعتذارا. فبقدر ما أظهر الاعتذار، أو أعاد تأكيد أدب الرجل، بقدر ما كان غير ضروري. لا يعتذر المرء عن خطأ لم يرتكب.

لكن لا مفر من وضع الأشياء في إطارها. فالأسابيع الماضية تبدو كأنها شهور طويلة مرت بنا. ويوم استقال قائد عسكري بسبب حوار في برنامج تلفزيوني، كانت القوات المسلحة لا تزال تخشى أن تقوم بأي خطوة يساء فهمها أو تفسيرها في ميدان التحرير. وكانت لا تزال تخشى أن تحسب أي حركة على أنها ردة نحو النظام السابق. فالمجلس العسكري كان يصرف شؤون مصر يوما بيوم، بل ساعة بساعة. وكان رجال مبارك لا يزالون يشغلون مواقع كثيرة في قلب الحكومة. وربما قبل كل هذا كان الجيش يريد أن يمحو من أذهان الناس صور «موقعة الجمل» وتحليق طائرات الفانتوم.

وقد تحدثت ذلك النهار، قبل انقطاع الهواتف، إلى زميل في القاهرة، وقلت له ما الذي يجري؟ كيف يمكن للحكم أن يرسل مقاتلات إلى أجواء العاصمة؟ فأجابني أنه لا بد للنظام أن يظهر قوته. قلت له، وهل في استطاعة النظام أن يقصف عاصمته؟ طبعا لم يكن يخطر في بال أحد أنه لا يزال في هذا العصر من يفعل ذلك، وأن الأخ القائد سوف يستخدم البر والبحر والجو في قصف مدنه.