كانت هناك أحضان وقبلات!

TT

اللهم لا حسد.. فقد دعيت إلى عشاء في حدائق فلان الفلاني. حديقة فيها كل أنواع الفاكهة والزهور.. ولكن أوراقها مصابيح في كل مكان. وطلبت تخفيف الإضاءة حتى نكون أشباحا يحاول كل منا أن يعثر على الآخر.

وإلى جواري جلست حسناء سألتني: تشرب؟ قلت: لا أشرب. قالت: تأكل. قلت: لم أتناول لقمة واحدة ليلا ومن ثلاثين عاما.. قالت: ترقص؟ قلت: لا أعرف. قالت: إنت عايش ازاي وليه.. إنت مين؟

وسألتها: وانت مين؟ فقالت: أستاذ الحضارة في جامعة ميتشغان.

إذن هي قريبة من مجال تخصصي: الفلسفة. ولم أضيع هذه الفرصة واستدرجتها إلى المذاهب الفلسفية وقالت كلاما جميلا وكانت سعيدة.. وقلت..

وهكذا أمضينا ليلة لا رأينا فيها أضواء ولا ظلالا وألقت شاعرة سورية تعيش في البرازيل قصيدة بديعة في الحب والشوق والحنين والغربة.

وتقدم رجل عجوز ساعدوه على أن يقف وأن يمشي وأن يكون الميكروفون قريبا منه.. فقال بصوت مرتعش: لا أحد يتوقع أن أتحدث عن البطولة العربية. ولا مؤاخذة لا هناك بطولة ولا هناك عرب.. ولا في البلاد العربية عرب إنما خليط من كل الأجناس واللغات والطموحات. وقال: لقد أرحت نفسي مع الأديان فأنا يوم الجمعة مسلم ويوم الأحد مسيحي. ولم تطاوعني نفسي أن أكون يهوديا يوم السبت.

وعادت جارتي أستاذ الحضارة وجلست إلى جواري ويبدو أنها شربت كثيرا حتى صار الكلام ينحاش في حلقها. وقالت لي: إنت مين؟ قلت لها: وانت مين؟ قالت: لا يهم أن تكون سقراط هذا الزمان وأنا أكون سيمون دي بوافوار. لقد جلسنا معا وتكلمنا كأننا نتحدث في التليفون.. فلا أنت رأيتني ولا أنا. ماذا لو قلت لك إنني أعمل زبالة في أميركا هل تتغير النظرة إلى ما أقول.. ولنفرض أنك سمكري مثلا.. وإيه يعني.

وأصبح الكلام صعبا تماما.. وجاء صاحب الليلة وقال لي كان فلان وفلانة يريدان أن يجلسا إليك.. ولكن لما رأيتك مشغولا بالجمال والقبلات.

قلت: لم تكن هناك قبلات.. وإنما السيدة مخمورة وتتساقط ولا بد أن أساعدها وقوفا وجلوسا.

قال: لا.. بل كانت هناك قبلات!