من تشرشل إلى ليبيا: كيف انتشر رمز الـ«V»

TT

بدأت طائرات قوات التحالف في فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، فيما يحتفل الثوار في الشوارع ويرفعون أصابعهم السبابة والوسطى في الهواء مكونين في الهواء شكل حرف «V». إلى ماذا يرمز هذا الحرف؟ إلى النصر أم السلام أم الاحتفال أم جميع ذلك؟

تختلف قصة رمز حرف «V» عبر الثقافات والأزمنة. فمن الحرب العالمية الثانية حتى ربيع العرب عام 2011 تم استخدام هذا الرمز من قبل الأقوياء والمستضعفين، الشباب والمسنين، المحاربين وصناع السلام على حد سواء. وقد اكتسب الرمز معاني كثيرة عبر الزمن، لكن ينظر إليه في أنحاء العالم باعتباره رمزا للمقاومة. وإليك الخلفية التاريخية لهذا الرمز. في عام 1941 قال دوغلاس ريتشي، المذيع الشهير في الإذاعة في سلسلة من الحلقات على قناة «بي بي سي»، إن أفراد المقاومة في الأراضي التي كانت تحتلها ألمانيا اتخذوا من علامة «V» رمز الإرادة التي لا تقهر في الأراضي المحتلة. وسرعان ما بدأت الحركات السرية في كتابتها بالطبشور على دبابات النازية في كل أنحاء القارة.

وبدأ ونستون تشرشل في استخدام هذا الرمز الجديد في «التعبير عن النصر» وأضحى رمزا معروفا في الجبهة الداخلية للمعركة ضد الشر المطلق. ولم تربط حملة الدعاية التي شنها البريطانيون بين هذا الرمز وكلمة «نصر» بالفرنسية فقط، بل أيضا بكلمة «الحرية» باللغة الألمانية.

على الجانب الآخر، اتخذ هذا الرمز بعدا جديدا في الولايات المتحدة، حيث ابتكر الأميركيون من أصل أفريقي علامة «V مزدوجة» دعوة للانتصار على دول المحور أثناء الحرب العالمية والنضال ضد العنصرية في الولايات المتحدة. وأصبح هذا الرمز الذي صكه عامل في مقهى بمدينة ويتشيتا في صفحة بإحدى الصحف يشير إلى صحف ذوي البشرة السوداء، وانتشر في الأغاني الشعبية وأصبح تصفيفة شعر رائجة.

وبعد عام 1945، استخدم بعض رؤساء أميركا مثل هاري ترومان وديفيد آيزنهاور هذا الرمز عند الاحتفال بفوزهما في الانتخابات. وهو ما فعله ريتشارد نيكسون. لكن من أبرز المرات التي استخدم فيها هذا الرمز كانت في التاسع من أغسطس (آب) عام 1974، عندما ركب الرئيس المستقيل على متن السفينة الرئاسية ورسم الرمز بيديه، في إشارة إلى انتصاره ونجاحه في التخفيف من آثار الفضيحة.

وفي الوقت الذي غادر فيه نيكسون، خرج استخدام الرمز من نطاق القادة السياسيين إلى أفراد الشعب عندما استخدمه طلبة الجامعة والمحتجون تعبيرا عن معارضتهم لحرب فيتنام. ومع تحول حركة مناهضة الحرب إلى تمرد ثقافي شعبي عام خلال حقبة وودستوك، أصبح الرمز مرادفا استخدمه جيل كدلالة على السلام والنضال ضد المؤسسة الصناعية العسكرية.

وسرعان ما وصلت هذه العلامة إلى الشرق الأوسط. واستخدمها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 1969 تعبيرا عن الصراع ضد إسرائيل. واستخدمها أفراد منظمة «أيلول الأسود» الإرهابية واللبنانيون في السبعينات. وفي نهاية ذلك العقد استخدم الإيرانيون هذا الرمز خلال ثورتهم ضد الشاه.

أما في أوروبا فقد استخدم الرمز كتعبير عن النصر خلال الثمانينات. وحشدت مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، رجالها بينما يرسمون العلامة بأيديهم في الهواء خلال حرب الفوكلاند، رغم أنها كانت تستخدم العلامة أحيانا وكف يدها في الناحية المعاكسة وهو ما يعد علامة جارحة بالنسبة للإنجليز. في الوقت ذاته، كان يستخدم نشطاء اتحاد التضامن البولندي الرمز أثناء احتجاجاتهم ضد السوفيات كما فعل البولنديين من قبل أثناء نضالهم ضد النازي لمدة أربعين عاما.

وبعد انهيار حائط برلين لاحظ المعلقون في نشرات الأخبار انتشار هذا الرمز في المظاهرات المنادية بالحرية في ألمانيا الشرقية.

كذلك اتخذ الرمز بعدا تاريخيا خلال الانتخابات العراقية عام 2005 التي استخدم فيها الحبر الفسفوري. والجدير بالذكر أن هذه الانتخابات كانت أول انتخابات عامة منذ الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين. وظهر الرمز في إيران أثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المطعون بصحتها عام 2009 والتي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد بفترة رئاسية جديدة. ووصل استخدام الرمز إلى جنوب السودان في الاستفتاء العام على استقلال الجنوب عن الشمال بداية العام الحالي.

وحاليا يستخدم المتظاهرون في ليبيا ومصر واليمن والأردن والبحرين هذا الرمز تعبيرا عن احتجاجهم ضد الأنظمة الحاكمة كامتداد لاستخدامه عبر التاريخ كرمز للمقاومة. هذا التاريخ الذي بدأ في بريطانيا ثم حمل الرمز عبر المحيط الأطلسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وسيظل هذا الرمز مستخدما ما دام الناس يلتفون حول قضايا ويواجهون الظلم.

* خدمة «واشنطن بوست»