في سورية.. خصومة إسرائيل مقابل الاستبداد

TT

لنفترض أن الحجر السوري في الدومينو العربي قد سلك نفس المسارين التونسي والمصري، ثم دعونا نحلق في سماء الخيال والأماني لنرى بين غمضة عين والتفاتتها أن الذي سيفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية شخصية مثالية بل استثنائية فيها من صفات الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في عدله وحزمه وتقشفه وقوته، هل تتصورون، مع محدودية مصادر الدخل القومي السوري أن «الرئيس العمري» سيقضي على البطالة؟ ويحل مشكلة الفقر ومعضلة السكن؟ ومشكلات الشباب الكبرى؟ ثم يحيل سورية إلى بلد لا يجد أهله من يقبل الزكاة؟ ليس من لازم وجود هذه الصفات المثالية الرائعة عند أي حاكم في الدنيا أن تتحول بلاده إلى مدينة أفلاطون الفاضلة، وشواهد التاريخ من سير الزعماء العادلين، مسلمين وغير مسلمين، وفيرة غزيرة، إذن فالشعوب مستعدة لقبول، بل محبة الزعيم والولاء الصادق له، حتى ولو عاشوا معه على الأسودين، التمر والماء، بشرط أن يرسي أسس العدل.

وهذا بالتحديد ما لم تفهمه الحكومة السورية التي أقدمت مؤخرا، وفي محاولة لاحتواء التوتر والمظاهرات التي اندلعت في عدد من المدن السورية، على نثر وعود ليس فيها إصلاحات سياسية حقيقية، ولهذا تلقاها الشعب السوري بكل برود، وحتى ندرك الهوة العميقة بين وعود الحكومة السورية «غير الإصلاحية» والمطالب الحقيقية للشارع السوري، أن أكاديميا سوريا وجه مؤخرا رسالة قوية إلى الرئيس الأسد لامه فيها بسبب عدم إطلاق سراح السجناء السياسيين، وعدم إلغائه لأحكام الطوارئ.

في هذه المطالبة عاملان رئيسيان يشغلان أي شعب في هذه الدنيا؛ أحدهما الحصول على الحريات بإلغاء الأحكام العرفية وإطلاق السجناء «غير الجنائيين» الذين زج بكثير منهم في السجن عشرات السنين من دون محاكمة أو من خلال محاكم عسكرية جائرة يسمح بها قانون الطوارئ كما حصل في تونس ومصر، واللافت أن إطلاق سراح مثل هؤلاء السجناء من أهم اهتمامات الشعوب حتى ولو لم تربطهم بالمسجونين قرابة أو معرفة، لاحظنا ذلك في المطالب الشعبية التي أعقبت اندلاع الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا والجزائر، بطبيعة الحال الناس تستثني من هؤلاء من ثبت تورطهم بأعمال إرهابية تمس أمن الدولة والمجتمع، العامل الثاني محاربة الفساد.

كانت حظوظ سورية كبيرة، كونها من أواخر المتأثرين بالتسونامي العربي الذي اجتاح مصر وتونس والآن يهز اليمن وليبيا، إلا أن الحكومة السورية بدلا من أن تستفيد من هذا التأخير بتنفيذ ضربات استباقية وقائية والبدء بخطوات إصلاحية كبرى، لاحظنا العكس، فقد أصاب الحكم في سورية شيء من الاعتداد بالنفس والشعور بالاستثنائية من التأثر بمحيطها العربي المضطرب، لقد ظنت أن قيادتها لجبهة الصمود والتصدي ضد إسرائيل ستمنحها حصانة وشيكا مفتوحا لتفعل في شعبها ما تشاء، وهذا أسوأ أنواع الابتزاز، والمؤسف أن هذا الابتزاز خصوصية عربية، فعلها مبارك حين ذكر شعبه بمآثره في حرب أكتوبر، وكررها القذافي عندما استنكر أن يقوم أحد ضد «مجد ليبيا» الذي قاوم الاستعمار الطلياني «دار دار زنقة زنقة»؟ ويرددها الآن الرئيس اليمني بتذكير اليمن بإسهامه الكبير في توحيد شطري اليمن، كلهم تأخر في إجراءاته الإصلاحية، كلهم قال أنا غير، فصاروا عبرة للغير.