قضايا عسكرية

TT

لا نعرف شيئا عن الشؤون العسكرية، فهذا عالم مغلق له أهله وأربابه وتعابيره ومصطلحاته. وأما ما نعرفه فلا يتعدى ما شاع وتكرر. مثلا أن مصر منحت الراحل اليمني عبد الله السلال رتبة المشير، وأبقت عبد الناصر برتبة بكباشي، أو عقيد. وقبل السلال كان قد حصل على هذه المرتبة بطلا معركة العلمين، رومل ومونتغمري.

وها نحن نتابع أخبارا من ليبيا، مرة من جانبها الجماهيري العظيم، ومرة من جانب المهلوسين، ونرى العظماء يتقهقرون تاركين خلفهم دبابات محترقة وناقلات دبابات عليها جرذان يحملون أعلام العهد البائد. بصراحة لم نفهم، حتى قبل القصف الجوي الغربي، كيف ينتصر رجال يحملون مدافعهم على شاحنات صغيرة على جيش اشتريت له كل أسلحة العالم، بهدف تحرير العالم، وليس اجدابيا والزاوية والآن سرت، مقر القيادة العظمى.

ظهر أمس (الاثنين)، أعلنت «الجزيرة» أن قوات الثوار على بعد 20 ميلا من سرت، مقر الخيمة الملونة التي جاء إليها زعماء أوروبا، وأقيم إلى جانبها مقر قيادة الممالك والجمهوريات والواحات الأفريقية، في ظل مجسمات الكتاب الأخضر. ربما مع صدور هذه الأسطر تكون مواكب الشاحنات الصغيرة قد دخلت مسقط رأس ملك ملوك أفريقيا، وتكون دباباتها قد احترقت وكتائب الأشبال قد فرت.

لا ندري، هذا أمر متروك للخبراء. الذي ندريه أن الكتائب الهالعة تحمل اسم الرجل الذي طالما غُنيت له الأناشيد العسكرية من انتصاراته على القواعد الأجنبية، وهو أيضا الرجل الذي حول الجماهيرية العظمى إلى مرآب هائل للدبابات والطائرات، ثم قايضها جميعا بتسوية حول إسقاط طائرة مدنية واحدة.

يتخيل المرء ماذا يمكن أن يكون شعور الليبي المهزوم بأخيه أو المنتصر على أخيه. أو الليبي الذي يدرك أن ما يحطمه ويحرقه هو رزقه وماله. أو الليبي الذي بلغ به اليأس والخوف والرعب مبلغا لم يعد معه قادرا إلا على الاستعانة بالأجنبي من أجل الخلاص، ظل يطارده باللجان أربعة عقود وانتقل إلى مطاردته بالطائرات والدبابات، ثم بالشتائم والتحقير والاستعارات من قاموس القوارض.

على الرغم من كل الدماء والخراب، يبدو مشهدا سرياليا. لم يبق للرجل من يحاول إنقاذه سوى إيطاليا التي طالما أرسل السفن على موانئها منددا بأيام الاستعمار. وفي الوقت نفسه كان يجعل من ليبيا أكبر شريك اقتصادي لها وأكبر مستثمر في بنوكها ومصانعها. لقد غطت الحملة على روما عقودا تجارية وصفقات بلا حدود. والخطة الإيطالية للوساطة مجرد وفاء بسيط لديون معروفة وغير معروفة.