رسالة للمصارف: العالم تجاوز عام 2006

TT

من الواضح أن وول ستريت تعتمل بمشاعر حنين للماضي، عندما أسهمت عمليات الاكتتاب على رهون فاسدة ومشتقات غامضة في تعزيز عائدات المصارف. ومع مضي الجهات التنظيمية في عملها لصياغة آليات لتطبيق «قانون دود - فرانك» التنظيمي، تبذل مؤسسات مالية كبرى أقصى جهدها داخل واشنطن لاسترداد الأيام الخوالي.

ولسوء حظ دافعي الضرائب، بدأت بعض هذه الجهود تثمر بالفعل، خاصة فيما يتعلق بتنظيم المشتقات والرهون.

ومثلما تذكرون، كان من المفترض أن يسلط «قانون دود - فرانك» الضوء على تجارة المشتقات، بحيث تتضح المخاطر والتكاليف المرتبطة بهذه الأدوات أمام الجهات التنظيمية والأخرى المشاركة بالسوق. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يتطلب القانون توضيح المشتقات والاتجار فيها داخل البورصات أو عبر القنوات الأخرى الموافق عليها. لكن قانون «دود - فرانك» احتوى ثغرة كبيرة، وهي أن لوزير الخزانة حق إعفاء مقايضات النقد الأجنبي من هذا القانون.

الملاحظ أن تجارة العملة تتسم بضخامة هائلة، ففي المتوسط يجري التعامل في عقود تتعلق بهذه التجارة تبلغ قيمتها نحو 4 تريليونات دولار يوميا. وطبقا لمكتب مراقبة العملة، فإن تداول عقود النقد الأجنبي حقق عائدات بقيمة 9 مليارات دولار عام 2010، لتتفوق بذلك على عائدات أكبر خمسة مصارف بالبلاد. ويفوق ذلك ما جنته أي أنماط أخرى من المشتقات.

ولم يصب أحد بصدمة عندما بدأت المصارف في الضغط على وزارة الخزانة بغية إعفاء هذه المقايضات من مراقبة وتفحص الجهات التنظيمية. بداية من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وخلال يناير (كانون الثاني)، عقد مسؤولون بوزارة الخزانة اجتماعات لمناقشة مقايضات النقد الأجنبي مع 34 من ممثلي مؤسسات مالية كبرى، حسبما يذكر الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة.

الأسبوع الماضي، قال متحدث رسمي باسم تيموثي إف غايتنر، وزير المالية، إن الوزير لم يخلص لقرار محدد بعد حيال هذا الأمر. إذا ما انحاز غايتنر للمصارف، فإن هذا يلزمه بدراسة حجتها التي ترى أن مقايضات النقد الأجنبي تختلف عن المشتقات الأخرى، وأن هذه السوق أبلت بلاء حسنا أثناء الأزمة المالية وليست بحاجة لرقابة إضافية.

في المقابل، هناك من يختلفون مع هذا الأمر. مثلا، خلال الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة الخدمات المالية التابعة لمجلس النواب في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، قال غاري غنسلر، رئيس لجنة الاتجار الآجل في السلع: «أي استثناء لمقايضات النقد الأجنبي الآجلة لا ينبغي أن يسمح بالالتفاف على هدف وضع جميع معدلات الفائدة ومقايضات العملة تحت مظلة التنظيم لحماية المواطنين المستثمرين».

من جهته، أعرب دينيس كيليهير، رئيس «بيتر ماركت»، وهي منظمة غير هادفة للربح تعمل على خدمة الصالح العام داخل أسواق رأس المال، عن تشككه في صواب حجة أن سوق تعاقدات النقد الأجنبي حققت أداء جيدا خلال فترة فوضى الأسواق عام 2008. وأوضح كيليهير أن السبب الوحيد وراء عدم تعطل هذه السوق عن العمل، مثلما حدث لأسواق أخرى، أن مصرف الاحتياطي الفيدرالي أقرض مصارف مركزية أجنبية أموالا ضخمة - 5.4 تريليون دولار - عبر ما يطلق عليه خطوط المقايضة في خريف 2008.

وأضاف: «لقد اقترحنا استعانة وزارة الخزانة بخبراء مستقلين بمعنى الكلمة لتفحص البيانات وإمداد الوزير بالمشورة حيال ما إذا كانت سوق الصرف الأجنبي حققت أداء جيدا أثناء الأزمة، وما إذا كان ينبغي إعفاؤها».

وأشار إلى أن التحليل يمكن إنجازه في غضون 60 يوما. من ناحيتها، أخطرته وزارة الخزانة بأنها على ثقة من أنها اطلعت على جميع المعلومات اللازمة. وعن هذا، قال كيليهير: «كان ردهم بمثابة شكرا».

إضافة إلى ذلك، تبدي مؤسسات مالية كبرى رغبتها الشديدة في العودة إلى أيام التنظيمات اللينة المرتبطة بالإقراض، وذلك بالنظر إلى مبادرتين تجري مناقشتهما حاليا داخل واشنطن. ويبدو أن كلاهما موجه لدفع عجلة سوق القروض السكنية من جديد - وتعويم أسعار المنازل الآخذة في الانخفاض.

وترتبط مبادرة بكيفية تعريف جهات التنظيم لـ«الرهن العقاري المؤهل»، وهو مصطلح ورد ذكره في قانون «دود - فرانك»، ولا يتعين على مصدري الأوراق المالية المدعومة بأصول مؤلفة من مثل هذه القروض الإبقاء على أي مخاطرة ترتبط بالاعتماد فيما يخص هذه الأوراق المالية. لكن بائعي رهانات القروض غير المؤلفة من رهون عقارية مؤهلة ملزمون بالاحتفاظ ببعض المخاطرة المرتبطة بها. وقد هدف هذا البند للتخلص من الحوافز السلبية لازدهار سوق الرهون العقارية، عندما جرى تشجيع أصحاب رهانات القروض على سد الرهانات بمواد سامة لا تتحمل مسؤولية تُذكر عن الصفقات بمجرد بيعها، وهو ما يشكل رهنا مؤهلا تحول لقضية صراع كبرى، بسبب قواعد الإبقاء على المخاطرة في ظل قانون «دود - فرانك». بصورة عامة، ينبغي أن تكون الرهون العقارية المؤهلة ذات جودة أعلى، حسب دخل المقترض وقدرته على السداد وعناصر أخرى تحددها الجهات التنظيمية المالية.

ومن المقرر أن تعقد شركة التأمين على الودائع الفيدرالية اجتماعا مفتوحا، لمناقشة الرهون المؤهلة وقواعد الإبقاء على المخاطرة. ومن بين المسائل التي يجري النظر فيها فيما يخص القروض المؤهلة حجم المبالغ المالية التي تدفع مقدما، اللازمة لقرض مؤهل، وما إذا كان التأمين على قروض الرهن العقاري يمكن استخدامه في الحماية من المخاطر المتزايدة المتعلقة بالقروض التي تتسم بمبالغ مالية مدفوعة مقدما أقل.

وقد شجع استخدام التأمين على الرهن العقاري، خلال فترة الازدهار الاقتصادي، فعليا في الإفراط في عمليات الإقراض. وقد جرى إغراء المستثمرين الذين اشتروا أوراقا مالية تحوي قروضا لا تتضمن دفع مبالغ مقدما على الإطلاق، أو مبالغ ضئيلة فقط، للاعتقاد بأنهم سيكونون في حماية من الخسائر المتعلقة بالعجز عن القدرة على سداد الديون حال التأمين على القروض.

لكن عندما تم التأخر في سداد القروض، أو وصلت لدرجة العجز عن سدادها، ألغت الكثير من جهات التأمين على الرهن العقاري التغطية، معللة ذلك بأن الخسائر هي نتاج لعمليات احتيال في جانب الإقراض أو سوء عرض. وعندما فعلوا ذلك، أعادت جهات التأمين الأموال الإضافية التي كانت قد حصلت عليها إلى المستثمرين المالكين للقروض. وتجري حاليا معركة قضائية طويلة الأمد بين الأطراف المتنازعة.

من الواضح أنه بالنسبة للكثير من المستثمرين في الأوراق المالية المتعلقة بالرهن العقاري، يعد هذا التأمين بمثابة تمثيلية. وعليه، فإن أي حجة ترى أن التأمين على الرهن العقاري بمقدوره، على نحو ساحر، تحويل أي قرض ينطوي على مخاطرة إلى رهن عقاري سكني مؤهل ينبغي رفضها تماما ونبذها. وعلى الرغم من ذلك، تروج جهات التأمين على الرهن العقاري بشدة لهذه الحجة داخل واشنطن.

أما الجبهة النهائية لمعركة الرهن العقاري، فتتضمن خطة لإعادة تشغيل ماكينة الأوراق المالية في واشنطن، بأدوات تعرف باسم السندات المغطاة. وهنا أيضا تروج المصارف الكبرى والهيئات المالية المرتبطة بالإسكان لفكرة أنه إذا عاد المستثمرون الخصوصيون إلى سوق الرهن العقاري، فيتحتم علينا إذن خلق أداة جديدة تسمح لفترات الازدهار بالعودة مجددا.

تعد السندات المغطاة صندوقا ائتمانيا للديون التي جمعتها المصارف، ويتم بيعها إلى مستثمرين يحصلون على دخل من هذه الأصول. على الجانب الآخر، يظل المصرف الذي يصدر هذه السندات متحملا للمخاطر الائتمانية. فإذا خسر تزايدت الخسائر، فعلى المصرف الذي أصدر السندات المغطاة تعويض الخسارة من رأسماله. وقد يدفع ذلك المصارف المتعثرة نحو الحافة.

إذا تهاوى أحد الأصول في هذا الصندوق، فسيطلب من شركة بعينها إبعاد الأصول عن سيطرة المصرف. وستكون الأصول حينئذ بعيدة عن سيطرة شركة التأمين على الودائع الفيدرالية، إذا ما انهار المصرف وتقدمت الوكالة كمتلقي. والمستثمرون الذين اشتروا سندات محمية سيكونون هم أصحاب الحق الأول في الأصول قبل شركة التأمين على الودائع الفيدرالية.

من هذا الهيكل الجديد أن يعطي شكلا جديدا للدعم الحكومي للمصارف الكبرى في إصدار السندات، ويرفع التوقعات بشأن الخسائر على تمويل تأمين شركة التأمين على الودائع الفيدرالية التي تحمي ودائع المدخرين.

ومن شأن هيكل السندات المغطاة، الذي تفضله المصارف، أن يسمح للمستثمرين بالاستثمار في الأصول الخطرة، مثل خطوط ائتمان أسهم المنازل. وقد كانت هذه القروض من بين أسوأ الأصول أداء في تلك الفترة. في المقابل تتألف السندات المحمية الصادرة خارج الولايات المتحدة من قروض عالية الجودة فقط.

ويقول كريستوفر والن، ناشر كتاب «تحليل المخاطر المؤسسية»: «تحاول الصناعة الالتفاف على شركة التأمين على الودائع الفيدرالية. وهذا الاقتراح يرمي إلى إعادة بدء خط تجميع وول ستريت لبيع النفايات السامة للمستثمرين».

من الواضح أن المعركة من أجل أمان وقوة الأسواق المالية لا تزال أمرا بعيد المنال، فالقضايا معقدة ومربكة - بالتصميم في كثير من الحالات - والمؤسسات المالية لديها جيوش من المدافعين عنها في واشنطن، أما دافعو الضرائب فلا، وهو ما يجعل من مراقبة هذه الخطوات أمرا بالغ الأهمية.

* خدمة «نيويورك تايمز»