مرحلة إعادة الثقة

TT

أكدت المظاهرات والاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت الشارع العربي على أن هناك حالة من انعدام الثقة والمصداقية بين هذه الجماهير وأنظمتها وأجهزتها الحكومية، خاصة الأجهزة الخدمية.

من المفروض أن تكون العلاقة بين الجمهور والنظام وأجهزته الرسمية قائمة على أساس مبدأ الثقة، ولكن ما صاحب المظاهرات من إصرار وتحد وجرأة غير مسبوقة، أكد أن الجماهير تعاني منذ سنوات طويلة من فقدان الثقة في الأنظمة وأجهزتها الرسمية، وفي تصريحات ووعود المسؤولين ورموز الأنظمة، وذلك لإدراك الجماهير أن هناك خللا وسلبيات وأخطاء وتجاوزات غير مقبولة في هذه الأجهزة، التي تقلل من جهودها ومصداقياتها وتنعكس سلبا على ثقة جماهير الشعب بها.

لا شك أن المظاهرات وما صاحبها من أحداث مؤلمة، قد تركت آثارا سلبية على الأفراد، خاصة الأطفال، لقد شاهدنا أطفالا محمولة على الأعناق يهتفون ويرددون ما يسمعون من كلمات وشعارات عن رحيل وسقوط الأنظمة، وهم لا يدركون معنى هذه الكلمات وأبعادها وخلفيات وأسباب النطق بها.

ما هو شعور ومشاعر الأطفال عندما يشاهدون مشاهد ومناظر وصورا مؤلمة من سقوط قتلى وجرحى في المظاهرات، وكذلك عندما يشاهدون صدامات واشتباكات عنيفة بين أبناء الوطن الواحد، وكأننا في ساحات للقتال والمعارك؟

لا شك أن هذه المشاعر والصور المؤلمة سوف تترسخ في أذهان ونفوس الأطفال، وقد تشكل مشاعر واتجاهات سلبية لديهم نحو الثقة في مؤسسات النظام ورموزه.

من شارك في هذه المظاهرات من الأطفال قد تتكون لديهم قناعات بأن المظاهرات هي الأساليب الشرعية الوحيدة للتعبير عن الرأي والاستجابة للمطالب.

والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن إعادة الثقة المفقودة بين الجماهير والنظام، حتى لا تتكرر مثل هذه المظاهرات العنيفة مستقبلا؟

أولويات عمل الحكومات والأنظمة في المرحلة المقبلة يجب أن تتركز على إعادة بناء الثقة والمصداقية في النظام ومؤسساته، حرصا على مستقبل أبنائنا، وذلك من خلال إجراءات وخطوات فعلية سريعة ملموسة وعلنية. علينا أولا أن نبدأ بتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة لدى الأفراد، خاصة الأطفال والأجيال الناشئة، ومحاولة محو الصور الذهنية السلبية التي علقت بأذهانهم تجاه الأنظمة ورموزها، على سبيل المثال، من المهم تصحيح مفهوم ثقافة المظاهرات وإبراز إيجابياتها وسلبياتها، والتأكيد على أن التعبير عن الرأي وتحقيق مطالبهم المشروعة العادلة واستجابة الأنظمة لها، لن يكون بالمظاهرات وتعطيل المصالح وتوقف العمل والحياة العامة، وإنما يكون عبر الحوار والقنوات الشرعية التي من المفترض في المرحلة القادمة أن يستجاب لها، ومن الأمور الأخرى المهمة لإعادة الثقة، أن تتم مناقشة قضايا الوطن بوضوح كامل، ومصارحة ومكاشفة الجماهير بالحقائق دون إخفاء أو غموض أو خداع، وتتحول تصريحات ووعود المسؤولين ورموز النظام إلى واقع ملموس، أي تتطابق الأقوال مع الأفعال، وشعور جميع الأفراد بأنهم سواسية تحت مظلة القضاء والقانون، وتتبع وكشف الظلم والفساد وتحقيق العدل ومحاسبة ومعاقبة المقصرين والمفسدين، وأن يكون كل مسؤول وقائد في موقعه قدوة للجميع، ويتم تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وأن يشعر كل مواطن بأنه جزء مهم من المجتمع وعضو فعال في تقدم الوطن ورفعته، على أن يعيد الإعلام الرسمي الحكومي النظر في رؤيته ومواقفه وسياساته تجاه النظام، بما يتناسب وحجم وأبعاد مخاطر وتحديات ومصلحة واهتمامات الوطن والمواطن، كل هذا وغيره من ملامح أساسية لمخطط إعادة بناء جسور الثقة والتفاهم والحوار بين جمهور الشعب والنظام، التي تعد ضرورية لبناء وطن جديد قادر على المضي قدما في مسيرة الإصلاح ومواجهة أزمات الحاضر وتحديات المستقبل.