لمن الغلبة؟

TT

السؤال المستمر والمطروح بقوة على الساحة السياسية العربية منذ مطلع هذه السنة ونجاح الثورة التونسية هو: إلى أين تسير المنطقة؟

ومع بدايات المشهد الديمقراطي في التبلور في كل من تونس ومصر، والمتمثل في حالات الحوار وحرية التعبير ومحاكمة المفسدين وإلغاء الأحزاب القديمة المستبدة أو تحجيمها وإعادة هيكلة القطاع الأمني وتحرير الإعلام والأعمال، صحيح أن الحديث كان كثيرا أن هذه الثورات تمت برعاية الإعلام الاجتماعي كـ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، وهذه عناصر لا يمكن إغفالها، ولكنها في المقام الأول كانت ثورات شعبية شارك فيها الكل.

وإذا أخذنا الثورة العربية ذات الحجم الأكبر والتي حصلت في بلد الـ 83 مليون نسمة، مصر، فلا بد من التمعن قليلا في الأرقام ومحاولة فهم ما حدث.

مصر بلد بها أمية تطال 44 في المائة من إجمالي سكانها، ويعيش 40 في المائة من سكانها على دخل يومي يبلغ أقل من دولارين. مداخيل متدنية وبطالة مرتفعة وتضخم مهول يولد غضبا متزايدا، مما يعني أن أصواتا عريضة يجب أن تمثل، والعهد السابق أضعف النقابات والوزارات ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام، مما جعل المنظمات الدينية السياسية تظهر بقوة على الساحة كصوت بديل.

ببساطة مصر تقع في منطقة من العالم لا توجد فيها أمثلة ناجحة للديمقراطية (على عكس دول أوروبا الشرقية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي بعد سقوطه؛ كان في محيطها دول غرب أوروبا بنماذجها الديمقراطية الناجحة). وهناك مسألة أخرى مهمة لا بد من الانتباه إليها، هي أن الديمقراطية نادرا ما تفشل في البلدان التي يبلغ فيها إجمالي الدخل العام للفرد ستة آلاف دولار أو ما يزيد، ونادرا ما تنجو هذه الديمقراطيات إذا كان الرقم أقل من 1500 دولار. مصر حاليا تقع في خانة الـ 2800 دولار، وهو معدل قريب جدا من المعدل في إندونيسيا، وهي دولة نجحت في الحفاظ على نظام ديمقراطي يحكمه رجل جيش سابق، وإن كان النظام مخترقا بالفساد والتسلط، إلا أنه بالمجمل يعتبر ناجحا.

تركيا وتايلاند وباكستان هي الأخرى ديمقراطيات مختلفة بها جيوش قوية ومؤثرة، ثلاثتها عانت من سنوات ديمقراطية كان الجيش هو المتحكم الأول والأساسي في مجريات الأمور بشكل واضح، اليوم يبدو أن تايلاند وتركيا تمكنتا من تجاوز هذه المرحلة بنجاح، أما باكستان، وهو بلد أفقر، فلا يزال يعاني والتهديدات تحيط به وتهدد كيانه الديمقراطي.

ولكن ما يعطي الأمل بالنسبة لمصر هو أنها عاشت لحظة «قوة شعبية خالصة وصادقة» لم تعرفها شوارع باكستان وتايلاند وتركيا، وبالتالي سيكون الجيش حذرا جدا من القيام بخطوات لإجهاض مطالب الثورة.

عموما، دوما ما تكون ردود فعل النخبة المثقفة في الثورات محبطة لأن الشارع لا يتوافق معهم، وهو ما كان واضحا في نتائج الاستفتاء الأخير الذي تم في مصر، وهذا إذا تمت المبالغة في التعامل معه سيولد انشقاقا في المجتمع كما حصل في تايلاند التي لا تزال تعاني من تبعات ذلك إثر «الانقلاب الثوري» الذي تم لإقصاء رئيس الوزراء السابق وتدخل الجيش من بعد ذلك في الشأن السياسي، وتحول الأمر الآن في مصر إلى فزاعة الخطاب الديني الذي يرعب كل من ينادي بالديمقراطية والدولة المدنية.

مصر نموذج مهم لكي يراقَب، وإذا كانت مصر محظوظة فإن مستقبلها السياسي سيكون أشبه بتركيا وهي أمل الكثيرين وهي التي فيها ديمقراطية فاعلة وحضور إسلامي معتدل واقتصاد جامح، أما إذا لم تنجح التجربة بالشكل اللائق فمصر ستكون باكستان؛ ديمقراطية عاجزة مخترقة وممزقة بين تيارات الأصولية المتطرفة والعلمانية ورجال الأعمال وجيش قوي ومركزي.

مصر بعيدة اليوم عن ثراء تركيا الاقتصادي ولكنها حتما أفضل وضعا من باكستان، وعلى الأرجح سيكون مستقبلها في وضع ما بين النموذجين. التجربة لم تنته بعد وهناك فريق بدأ يفقد الأمل ويثير الذعر من الثورة المضادة والهجوم الأصولي، وفريق يقول إنه لا عودة عن ما تم، والمطالب معروفة وواضحة.. وبين الفريقين تبقى المباراة مفتوحة.

[email protected]