ثروة مبارك مرة أخرى

TT

كثيرة هي الأحداث التي تخللت ثورة 25 يناير في مصر، منها ما طوته الأحداث، ومنها ما سيظل في الذاكرة، لأخذ العبر والدروس، وواحدة من تلك الأحداث هي قصة ذات علاقة بالإعلام أكثر من غيره ربما، وهي حقيقة ثروة الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

في 15 فبراير (شباط) الماضي كتبت مقالا بعنوان «كم هي ثروة مبارك؟» وقلت فيه إن صحيفة الـ«غارديان» البريطانية قد ارتكبت خطأ حين ذكرت أن ثروة الرئيس المصري السابق هي 70 مليار دولار، وكان الخطأ مبنيا على أن الصحيفة استندت إلى قصة منشورة في صحيفة «الخبر» الجزائرية أواخر عام 2009 على خلفية الخلاف الكروي الذي نشب بين مصر والجزائر وقتها. وقلت في ذلك المقال إن «القصة هنا ليست للدفاع عن مبارك، وإنما للدفاع عن عقولنا التي لا يحترمها بعض إعلامنا العربي في ما سميته من قبل بعملية غسيل الأخبار. وبعد هذه الفضيحة يجب أن تكون الثورة القادمة بمنطقتنا في إعلامنا نفسه، لأنه جزء من أزمتنا».

وعلى إثر ذلك المقال شن بعض الزملاء الإعلاميين هجوما من كل المواقع الإعلامية، دون أن يفكر بعضهم، أو يذهب ويتحقق، وقلة هم الذين أدركوا المسألة، وكانوا منصفين، وعلى رأسهم الكاتب القدير سمير عطا الله، وفي «المصري اليوم» الزميل سليمان جودة.. وقد يقول القارئ حسنا وما القصة؟

والقصة بكل بساطة هي أن صحيفة «المصري اليوم» قد قامت بنشر خبر يوم 28 مارس (آذار) الحالي، يقول: «مدير تحرير الغارديان: أخطأنا في صياغة خبر ثروة مبارك»، وقالت «المصري اليوم» إن مدير تحرير الـ«غارديان» البريطانية قد اعترف في زيارته لمقر «المصري اليوم» في القاهرة بأن مشكلة خبر ثروة مبارك كانت في المصادر التي تم الاعتماد عليها. وبالطبع، ليس الهدف هنا الطعن في نوايا الـ«غارديان» أو مهنيتها، فإنها يحسب لها أن مدير تحريرها قد اعترف بالخطأ، خصوصا أنه قال لـ«المصري اليوم» إن أكثر ما أقلقهم أن ينظر للخبر على أنه خطوة لتشجيع الثورة. وعليه فقد امتلكت الصحيفة البريطانية الشجاعة، من خلال أحد منسوبيها، لأن تقول: أخطأنا.

لكن السؤال هنا، وهو الأهم: ماذا عمن روجوا للخبر دون دراية، وعندما تم لفت انتباههم إليه، لم يذهبوا للتحقق، بل شنوا هجوما، كان الهدف منه الإساءة لسمعة كل من لا يقبل أن يتحول الإعلام إلى إدارة حملات، أو ناقل أكاذيب؟. صحيح أنه لا أحد يملك الحقيقة، لكن على الإعلام أن يحاول، ويعترف في حال ما ارتكب أخطاء، ويصوب أخطاءه، وهنا يكمن الفرق بين الإعلام الجاد، والإعلام المحرض، خصوصا وقد انتشرت في كثير من وسائل إعلامنا العربية ما أسميه دائما بعملية غسيل الأخبار، وهي لا تقل خطورة عن جريمة غسيل الأموال، الأولى تؤلب المجتمع وتضلله، والأخيرة تضر بالاقتصاد، وتشجع على انتشار الجريمة، وكلتاهما خطر.

لذا، فليس المقصود هنا التشفي، بل تجديد الدعوة لضرورة أن تكون هناك ثورة حقيقية في كثير من وسائل إعلامنا العربية، ليكون معول بناء ومعرفة في قادم الأيام، وليس معول هدم.

[email protected]