تركيا لن تكتفي بالنصائح لإخراج سورية من أزمتها؟

TT

لا حاجة للتذكير مرة أخرى بتفاصيل التقارب التركي - السوري وإيجاز المراحل التي قطعها البلدان على طريق التعاون والانفتاح وتأطير العلاقات لتتحول إلى نموذج إقليمي يثير الغبطة والغيرة في الوقت نفسه. من النادر جدا أن نشاهد حالة مماثلة في منطقتنا، يتحول فيها خصمان لدودان بنيا كل سياساتهما على العداوة والاستنفار للانقضاض ولسنوات طويلة، إلى شريكين استراتيجيين يرفعان معا الحواجز والعوائق وحقول الألغام التي زرعاها لعقود على حدودهما الشاسعة المشتركة.

شبكة العلاقات الواسعة والتحالفات الإقليمية التي بنتها سورية في السنوات الأخيرة مع حركة حماس وحزب الله وإيران تحديدا، حظيت بشكل أو بآخر بمباركة وقبول ودعم تركي لا مجال للتشكيك فيه. استعداد دمشق مثلا للجلوس والتحاور المباشر مع تل أبيب وتغيير سياسة النظام السوري حيال الغرب، من الخطوات والمشاريع التي لعبت فيها حكومة العدالة والتنمية الدور الرئيسي، ولا أحد ينكر أو يخفي ذلك. دمشق رأت في أنقرة نافذتها على العالم الغربي وفرصتها الأهم في الخروج من عزلتها الدولية، وأنقرة كانت دائما تلعب الأوراق السورية، بوابتها على الشرق، في مسائل عربية وإقليمية حساسة.

حكومة العدالة والتنمية التي كانت صارمة مع النظامين المصري والتونسي، والتي واجهت تهمة «ازدواجية المعايير» في الموضوع الليبي، بدأت منذ الآن تعاني من ارتفاع أصوات المعارضة الداخلية التي انتقدت انفتاحها الواسع على سورية في السنوات الأخيرة، الذي قد ينعكس سلبا على سياساتها ومصالحها الإقليمية إذا ما تدهور الوضع السوري أكثر فأكثر.

أنقرة تعرف تماما أن أي زلزال سياسي تعيشه سورية في المرحلة المقبلة ستكون هي في مقدمة المتضررين من ارتداداته وآثاره السلبية. فسورية التي لا يمكن إنكار دورها في الصعود التركي العربي والإقليمي لا يمكن تركها وسط السحب والغيوم الدكناء التي ستتوعد تركيا بالأمطار والسيول الجارفة.

عاصفة قوية تهدد سورية التي لا بد أن تنال تركيا حصتها منها، هي الدافع الأهم الذي حرك أنقرة للمسارعة في وضع قائمة طويلة من الأولويات الواجب التعامل معها بجدية من قبل النظام السوري إذا ما كان راغبا فعلا في تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر والأضرار.

بيان الخارجية التركي الأخير المتعلق بأعمال العنف في المدن السورية والتمسك بالخطوات العاجلة لتحقيق الوعود المقدمة حول الإصلاح والتغيير السياسي والدستوري والاجتماعي والاقتصادي «وفي مقدمتها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الطوارئ، وتوسيع رقعة الحريات الإعلامية، وتبني الكثير من مطالب المعارضة، سيكون ترجمة فورية لتماسك سورية الداخلي وسيعزز من موقعها ودورها الإقليمي»، يعني أيضا رغبة تركية في تجنب أي انعكاسات سلبية تهدد الداخل التركي.

اهتزاز النظام في سورية سيعني تضعضع البنية التحتية في أكثر من مدينة تركية، خصوصا القريب منها إلى المناطق الحدودية، وهذا ما تعرفه أنقرة جيدا بعد تجربة شمال العراق التي لا يعرف أحد أين وكيف ستحسم. والقيادة التركية لن تكتفي بأي أحاديث عن مأجورين ومحرضين وخونة ومؤامرات خارجية تستهدف سورية ودورها. فقرار التقارب التركي - السوري الواسع على هذا النحو بات يتركهما أمام وحدة القدر والمصير وضرورة التنسيق المشترك في التعامل مع الأزمة السورية لقطع الطريق على مخططات إضعافهما معا. ويكفي هنا الإصغاء إلى تحذيرات وزيرة الخارجية الأميركية، كلينتون، التي تحدثنا عن بدائل لا يمكن إسقاطها في الموضوع السوري «في حال أدان المجتمع الدولي ما يجري في سورية وقرر مجلس الأمن التحرك، فعندها يمكن التفكير بتدخل عسكري» لندرك حقيقة الرغبة الأميركية بعدم تفويت فرصة تدويل الأزمة السورية أيضا بكل ما تملك من قوة، ولندرك جدية أنقرة في دعم إخراج سورية من محنتها بأسرع ما يمكن وبأقل الخسائر والأضرار.

تركيا لن تكتفي بالنصائح والاعتدال والإصغاء إلى صوت الشارع السوري لإنقاذ الموقف رغم أصوات بعض الخبثاء في صفوف المعارضة التركية الذين بدأوا منذ الآن يحذرون القيادة السورية من الأخذ بما تقوله حكومة العدالة والتنمية لأنها إذا ما أقدمت على الخطوات الإصلاحية التي تدعو إليها حكومة أردوغان فإن النظام لن يصمد طويلا، والبعض الآخر الذي يردد أن إلغاء التأشيرات بين البلدين سيعطي نتائجه الأولية عندما يتحرك الآلاف من السوريين باتجاه الحدود التركية إذا ما تأزم الموقف أكثر فأكثر داخل سورية.