الرحلة (الرومانتيكية)

TT

في منتصف السبعينات الميلادية، كان هناك طالبان خليجيان في سيارتهما يسوقانها وقت الظهيرة، بمدينة (تكوما) في أميركا.

وعندما توقفا أمام الإشارة الضوئية في أحد الشوارع، إذا بشاب زنجي يفتح الباب الخلفي للسيارة ويستقر في المقعد الخلفي، وما إن التفتا إليه من هول المفاجأة حتى صوب نحوهما مسدسه قائلا: لا تتحركا ولا تلتفتا إلى الخلف ولا تحدثا أي أصوات، وإن أردتما السلامة فافعلا ما آمركما به، وثقا تماما بأنني لن أؤذيكما بشيء ما دمتما تسمعان كلامي.

فانصاعا مرغمين إلى طلبه، وما إن أضاءت الإشارة الخضراء، حتى قال لهما اتجها إلى أقرب محطة (بنزين)، واملآ خزانها للآخر، واشتريا أكبر قدر ممكن من السندويتشات وقوارير المياه.. وهذا ما حصل، عندها أمرهما أن يتجها إلى (الهاي واي) الذي يوصل إلى (نيويورك).

ظنا في البداية أنه يطمع في النقود التي في محفظتيهما فعرضا عليه بكل كرم ذلك، غير أنه رفض، عندها اعتقدا أنه إما أن يكون سكران أو محششا أو مختلا عقليا.. ظنونهما خابت كذلك، فالرجل متزن جدا، ويعرف كيف يتصرف، غير أن عجبهما ما زال يكتنفهما.. فكيف لهما أن يعبرا الطريق من (تكوما)، التي هي في أقصى الشمال الغربي لأميركا، ويتجها إلى (نيويورك) التي هي في أقصى الشرق لأميركا؟! فما كان من صاحب السيارة إلا أن يعرض عليه السيارة بكاملها ويتركهما ينزلان منها، غير أنه أيضا رفض ذلك.

وانطلق الثلاثة في رحلتهم الغريبة العجيبة تلك، يقطعون آلاف الكيلومترات ليلا ونهارا، ويتناوب الاثنان «السواقة» بينهما، ويتناوبان النوم واليقظة، وكان هو يغفو أحيانا ما دامت السيارة مستمرة في سرعتها المعتادة، ولكنه يصحو فجأة إذا أحس أنها أبطأت قليلا.

وهو يسمح لهما بدخول الحمامات إذا توقفوا في إحدى المحطات للتزود بالوقود، ولكن على شرط أن يذهب أحدهما ويبقى الآخر رهينة معه في السيارة، إلى أن يرجع رفيقه ثم يذهب الآخر! أما ذلك الرجل إذا أراد أن يقضي حاجته، فإنه إذا شاهد أرضا خالية أو غابة أو أحراشا، يأمرهما أن يخرجا من الطريق ثم ينزلا من السيارة ويغلقها هو بنفسه ويأخذ المفتاح ويضعه في جيبه، كل هذا يحصل تحت تهديد السلاح، وفي تلك الأيام لم تكن هناك هواتف جوالة.

وقال لي أحدهما، وهو الذي روى لي تلك الحادثة: إن أكثر ما كان يزعجه هو منظره عندما كان يقضي حاجته أمام أبصارنا وهو موجه مسدسه نحونا ونحن لا نبتعد عنه أكثر من ثلاثة أمتار، بل إنه زيادة منه في أن (يقرفنا) أكثر كان يرفض أن ندير له ظهورنا! وبعد أن ينتهي ويرتاح، يأخذ يتقافز كنوع من التمرين الرياضي، ثم يعطينا المفتاح ونركب جميعا من جديد.

لا أريد أن أطيل عليكم، فقد وصلوا أخيرا إلى نيويورك بعد مسيرة عدة أيام، وفي أحد الشوارع المكتظة، وأمام إحدى إشارات المرور الحمراء، فتح الباب وشكرهما وتأسف لهما على الإزعاج، ثم نزل واختفى بين الجموع، ثم أضاءت الإشارة الخضراء وهما غير مصدقين أنهما أصبحا حرين، واتجها إلى أحد الفنادق واتصلا بزملائهما الذين افتقدوهما، وأخبرا الملحق الثقافي والبوليس.. ناما ليلتهما في الفندق، وفي اليوم الثاني شحنا سيارتهما (بترللا)، وسافرا بالطائرة عائدين إلى مكان دراستهما، وإلى الآن لا يعلمان ما هو هدف ذلك الشاب الزنجي؟!

السيارات الحديثة الآن لا يستطيع أحد أن يفتح أبوابها من الخارج ما دام في داخلها أحد.

[email protected]