حوار أزواج.. أم طرشان؟

TT

هل تعلم أن ثلث أسباب الطلاق (28%) يعود إلى «تدهور الحوار والتواصل بين الزوجين»، بحسب دراسة للدكتور حمود القشعان أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت، وكان عنوانها «العوامل السكانية والشخصية في الاختلافات بين الرجل والمرأة وأثر ذلك في اللجوء إلى الطلاق». وليس هذا فحسب؛ بل قال 53 في المائة من الأزواج المطلقين، في دراسة أخرى للباحث، إن «ضعف الحوار هو أكبر سبب للشكوى»، في حين يرى نحو 47 في المائة من الأزواج «غير المطلقين» أن «ضعف الحوار له دور في المشكلات اليومية».

الحوار بين الزوجين هو جهاز ترمومتر يقيس مدى صحة العلاقة بينهما، فلو كانت حرارة الحوار مرتفعة وصاخبة فهذا مؤشر سلبي، وإذا كانت باردة فهي أيضا كذلك، ولذا، فإن الحوار الإيجابي هو الذي يجب أن يكون معتدل الحرارة، إن جاز التعبير، لضمان استمرارية وسلامة العلاقة. على سبيل المثال، إذا كانت الزوجة منفعلة أصلا وصب عليها الزوج جام غضبه، سيقع حتما ما لا تحمد عقباه بينهما.

وما اعتبر الحوار مهما إلا لأنه هو الذي نخرج من خلاله من أصعب المشكلات، وندخل بسبب غيابه في أسوأ الأزمات على مستوى الأسر وحتى الدول! وكم من حوار هادئ ومتزن شعرت فيه الزوجة بنبرة تأنيب ضمير من زوجها المتحدث أو رأت منه شجاعة الاعتذار فعادت مياه الحوار إلى مجاريها.

بعض الأزواج في أثناء تحاوره مع زوجته لا ينتبه إلى أن المرأة رقيقة وحينما نجرحها بكلمة لا نلقي لها بالا تصيبها بجرح غائر، لا يندمل بسرعة، ولا يعالجه أحيانا حتى الكلام المعسول الذي تعشقه بنات حواء. وخطورة تداعيات الجرح أنه يفسد على الزوجين سائر اليوم. ولذا يُنصح دائما أن يتراجع أحد الزوجين فورا عن حدته عندما يرى من محدثه بوادر غضب أو ضيق أو ضجر.

وإن المحاورة بذكاء تساعدنا على اتخاذ القرارات الرشيدة، خصوصا إذا كان لدينا نية صادقة لفهم وجهة نظر الطرف الآخر ومشاعره. كما أن الحوار فرصة لتقييم كلامنا بعد أن نسمع وجهات النظر، وما أكثر الحوارات التي دفعت شخصا إلى التراجع عن وجهة نظره لأنه سمع من محدثه ما يكفي لإقناعه. والحوار اللفظي هو الوسيلة الوحيدة للتواصل في ما بين الزوجين، فيندر أن تجد زوجين يتراسلان كتابيا، مثلا، وهنا تأتي أهمية تطوير هذه المهارة التواصلية.

ومن طرق تطوير مهارة التحاور، أن نتجنب مدمرات الزواج؛ ومنها ما يسميها الباحث د. القشعان البدايات القاسية في الكلام أو بالـ«Harsh Starters» التي تفضي إلى مزيد من المشكلات. لأن الحوار مثل لعبة شد الحبل؛ إذا ما شد أحد الحبل بقوة فسيسقط هو وخصمه، وكذلك حال المتحاورين. ومشكلة العنف اللفظي أنه إذا استمر يألفه الزوجان، ثم ينتقل إلى أبنائهما الذين يصابون بداء «التواصل اللفظي العنيف» فتتكرر القصة نفسها مع أسرهما مستقبلا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية أن تنتبه المرأة إلى أن الرجل يحبذ الصمت على الحوار، أحيانا، لكي يهرب من سيل الانتقادات أو الطلبات التي تمطره بها زوجته، في أوقات غير مناسبة. فالرجل بطبيعته يحتاج إلى فترات من الصمت والاختلاء بالذات ليجدد نشاطه، بخلاف المرأة التي تجد راحتها في مزيد من «التحدث» فهو وقودها ومتعتها الذي تجدد به نشاطها. ولذا نجد أن المرأة تصاب بالحيرة حينما تجد زوجها وقد خيم عليه صمت مطبق، ولا يرد على أسئلتها، ولا تعلم هذه المسكينة أن زوجها إنما توقف في محطة التزود بوقت الصمت لينطلق مجددا إلى حياته بهمة وحماسة. ولذا، فإن وجدت زوجك صامتا فاتركيه ليعود بحيويته ونشاطه.

ليس هناك شخص مثالي في الحوار، فكلنا خطاؤون، ولكن الفارق أن هناك من يعترف بقصوره أو خطئه، أو يفرح بمقال كهذا، فيحاول جهده تعديل سلوكه، حتى يتطبع بطباع أفضل في الحوار بالمداومة على آداب الحوار الرفيع مع أسرته وليس بـ«حوار طرشان!».