البائد والذي أباد

TT

كان الحسن الثاني هو الذي استخدم تعبير «الرجل الورع» في الإشارة إلى ملك ليبيا ومؤسس وحدتها ورجل استقلالها، محمد إدريس السنوسي. وعندما كان يحضر ذكر الملك الراحل دأبت على استخدام ذلك الوصف لشدة ما يعبر عن سيرة الرجل. ألغى انقلاب الأول من سبتمبر (أيلول) 1969 تاريخ مؤسس الدولة والوحدة وأصبح يشار إليه بلقب ممل تكرر في بلدان عربية كثيرة هو «العهد البائد».

أما العهد الجديد فقد سمته الصحافة المصرية (والعربية)، كما يقول محمد حسنين هيكل هازئا، «ثورة الفاتح العظيم». ويقول هيكل، ساخرا أيضا، إن كتابات معمر القذافي أفضل بكثير من الكتب التي وضعت عنه: «وتقدمت إليه الكتب أشكالا وألوانا – وقرأها جميعا دون نقد. وفي زحام يشبه زحام سوق عكاظ، خطر له أنه يستطيع أن يقول أفضل مما سمع، وأن يكتب أحسن مما قرأ (وفي ذلك لم يكن متجاوزا)».

من كان الرجل الذي أطاح به القذافي؟ لعل أدق وصف له ورد في كتاب مصطفى أحمد بن حليم، رئيس وزراء ليبيا في العهد الملكي «ليبيا، انبعاث أمة وسقوط دولة». يقول بن حليم إن فسادا شديدا أحاط بالحاشية، أما «الملك إدريس رحمه الله فقد كان زاهدا في الحكم، يشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه. كان التخفف من أعباء الحكم أمنيته، وكان كاهله ينوء بعبء الأمانة ويخشى حساب الله والشعب والتاريخ، متقشفا في معيشته، خشنا في حياته، معدما لا يملك من حطام الدنيا شيئا، وحينما انتقل إلى مصر بعد قيام الانقلاب، اضطر الرئيس عبد الناصر إلى دفع بعض المال للملك وأسرته يقيم أودهم ويكفيهم ذل الحاجة والسؤال».

سوف نعرف بعد 17 فبراير (شباط) أن مغنية أميركية تلقت مليون دولار لقاء نصف ساعة غناء في حفلة أقامها أحد أنجال الأخ قائد الثورة، (ثورة الفاتح العظيم كما تسميها الصحافة المصرية) كما يكرر هيكل هازئا في «وجهات نظر»، عدد مايو (أيار) 1999، في مقال مطول عن لقاءاته بالأخ العقيد. في ذلك المقال يشرح أن ما نسب إلى عبد الناصر من أنه قال للقذافي «أنت أمين القومية العربية بعدي»، لا أساس له إطلاقا، وكل ما قاله له: «أنت تذكرني بشبابي» لكي يهدئه في أول مؤتمر قمة حضره، ووزع فيه الشتائم يمنة ويسرة.

يقول هيكل في مايو 1999، ولكن مخطئا للأسف: «وعلى المستوى البعيد فقد اكتشف (القذافي) أن القوى المسيطرة غيرت أساليبها، فلم تعد تحتاج إلى قواعد تحتلها حتى تسعى للسيطرة، وإنما هي في الأزمنة الجديدة تمارس إرهابها من الجو والفضاء العالي حيث لا يطولها دفاع، فإذا عادتها سياسة أو أغضبها تصرف، ففي يدها أن تعاقب وأن تظل تواصل العقاب بلا تضحيات عليها تقريبا حتى يتأتى لها الإخضاع».

لا لم يكتشف.