أوباما في الحرب: دراسة لحالة غامضة

TT

في عام 1986، أسقط الأميركيون قنبلة فوق قصر معمر القذافي في طرابلس تلتها رسالة حاسمة: أوقف الهجمات الإرهابية ضدنا وإلا سنقصفك بمزيد من القنابل!

وصلت الرسالة وأوقف العقيد الزئبقي إرهابييه. وكان «القائد الأعظم» خائفا لدرجة أنه ظل طوال ربع القرن التالي يقيم في خيمة، اعتقادا منه بأنه إذا تعرض لقصف مرة أخرى ستكون فرصته أفضل في النجاة مما إذا كان يقيم في مبنى.

أصبح القذافي اليوم «القائد الأعلى» للاشيء سوى باب العزيزية الذي يختبئ به، في تناقض مع شخصيته.

في عام 1986، كانت الرسالة الأميركية واضحة. أما اليوم، في الوقت الذي تدخل فيه ليبيا مرحلة جديدة قد تكون حاسمة، فالرسالة الأميركية ليست كذلك.

ما هو موقف واشنطن تحديدا؟ أثار هذا التساؤل الغموض الذي أضفاه الرئيس باراك أوباما وكبار مساعديه على ما ظهر في البداية على أنه موقف واضح. قام كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس بجولات على استوديوهات القنوات التلفزيونية من أجل إبعاد الولايات المتحدة عن القضية. ومنذ 10 أيام فقط أعلن الرئيس باراك أوباما أن الديكتاتور الليبي معمر القذافي فقد «شرعيته بالكامل»، وعليه أن يرحل. ثم انضم أوباما إلى الجهود البريطانية - الفرنسية المشتركة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يطالب بالفعل بتغيير النظام في ليبيا.

يقوم موقف أوباما بالاشتراك في الحرب على فرضية أن ليبيا تمثل أهمية قومية للولايات المتحدة وأن سقوطها في الفوضى سيشكل تهديدا على الأمن الأميركي. ولكن في يوم الاثنين، ظهر أن أوباما ينأى عن موقفه السابق في حين أنه ما زال يصر على أن التدخل في ليبيا يعكس قيم الولايات المتحدة ومصالحها. بل وتحدث كل من غيتس وكلينتون عن «سحب» التدخل العسكري الأميركي في حين يتولى حلف الناتو تأدية «المهمة». ويبدو أن غيتس لديه سبب شخصي أيضا، حيث إنه من المقرر أن يستقيل من منصبه كوزير للدفاع مع نهاية شهر أبريل (نيسان)، ويحاول أن ينهي الملف الليبي قبل أن يغادر البنتاغون.

كذلك يبدو أن كلينتون وغيتس أقل اهتماما بالفوز في هذه الحرب من اهتمامهما بإثبات أن أوباما أكثر ذكاء وحصافة ووعيا دوليا من جورج دبليو بوش. وفي سبيل هذا الغرض قدما ثلاثة ادعاءات، أولها أن أوباما يتعامل مع «مجتمع دولي»، بما يشير ضمنا إلى أن بوش «راعي بقر» كان يتصرف بمفرده. ولكن يتشكل التحالف الذي يقوم بعمليات في ليبيا من فرنسا وبريطانيا وقطر، الذين ساهموا معا بـ 22 طائرة، وكان الإسهام الأكبر من نصيب الولايات المتحدة.

في المقابل، تكون التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان من نحو 90 دولة، في حين ضم التحالف الذي حرر العراق 42 دولة.

أما الادعاء الثاني فهو الفكرة المكررة بشأن استحالة فرض الديمقراطية بالقوة. ولكن في ليبيا - كما في أفغانستان والعراق - المهمة هي استخدام القوة للإطاحة بطاغية. كيف يمكن بغير ذلك أن تتاح الفرصة لليبيين على الأقل بالتفكير في مستقبل مختلف إذا ظل القذافي في السلطة؟

الادعاء الثالث هو أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في ليبيا، وهي التصريحات التي أعلنها أوباما يوم الاثنين. حسنا، في هذه الحالة لماذا دعا الرئيس إلى إنهاء نظام القذافي؟

الآن، وبعد أن اشتركت الولايات المتحدة في المهمة، لا يمكنها أن تتركها بدون أن تفقد مصداقيتها. كما يضع الارتباك الذي يسيطر على إدارة أوباما الولايات المتحدة في مسار خاسر على كافة المستويات.

وفي أفضل سيناريو متوقع، سيجبر القذافي على الرحيل أو سيقنعه أصدقاؤه الأجانب بذلك. وفي هذه الحالة، سينسب الفضل الكبير لبريطانيا وفرنسا اللتين بدأتا المهمة وظلتا متمسكتين بمطالبة العقيد بالرحيل. أنفقت الولايات المتحدة بالفعل مليار دولار وقامت بـ90 في المائة من العمليات لفرض منطقة حظر جوي بينما يبدو تدمير مدرعات العقيد عملا انهزاميا.

ووفقا لأسوأ سيناريو، سيتمكن القذافي من الاحتفاظ بمناطق غرب ليبيا على الأقل. وفي هذه الحالة، ستوجه أصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة المترددة التي أعطت للطاغية أملا في الاستمرار. سيتمكن القذافي من ادعاء النصر مذكرا الجميع بأن أوباما دعا علنا إلى الإطاحة به.

ليس من الحكمة الدخول في حرب بدون توفر الرغبة في الفوز فيها. ربما يطلق عليها أوباما وكلينتون وغيتس «مهمة» أو «تدخل» أو «عملية»، ولكن الحرب حرب أيا كان اسمها.

ما يحدث في ليبيا حرب؛ بل حربان في الواقع: حرب داخلية بين القذافي ومناوئيه. وحرب خارجية بين التحالف وما تبقى من قوات القذافي.

كلما سارعت إدارة أوباما بالاعتراف بأن هذه حرب، أصبح الأمر أفضل. وبمجرد فعل ذلك، يجب أن تحدد الحكومة أهدافها من هذه الحرب. الحرب ليست حفلة شواء يمكن للمرء أن يدخل ويخرج منها بصورة عرضية. لا يمكن أن تتدخل قوة عظمى في حرب بدون أن تعرف ما هو هدفها. وحينما تتحدد الأهداف فقط يمكن تشكيل التحالف المطلوب لتحقيقها.

لقد شجعت الإشارات الأولى على التقلب الأميركي على حدوث تطورات مقلقة. بدأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اتهام الولايات المتحدة وحلفائها بالتدخل في حرب أهلية بدلا من تنفيذ قرار الأمم المتحدة. ومن الواضح أن الروس يريدون أن يظلوا على وفاق مع القذافي تحسبا لما سيحدث.

ويقترح رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الصديق القديم للعقيد، وقف إطلاق النار، وهي الخطوة التي تهدف إلى إبعاد القضية برمتها عن الاهتمام أملا في أن ينقسم معارضو القذافي في حين يتحول الرأي الغربي ضد التدخل العسكري. وبدأ أيضا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في انتقاد «التدخل في الشؤون الداخلية» لدولة عربية رغبة في إحداث انقسام في الجامعة العربية ومساعدة القذافي على البقاء في السلطة، وبذلك يخفف من الضغوط التي يتعرض لها نظامه شخصيا.

ويعرض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «وساطته» التي تعني عدم اتخاذ موقف محدد تحسبا لاستمرار القذافي أو جزء من نظامه في السلطة.

إذا لم تعد الولايات المتحدة تأكيد زعامتها، وتضع أهدافا واضحة وتقدم وسائل تحقيقها، قد تنتهي الحرب في ليبيا إلى وضع فوضوي كبير لا يمكن التنبؤ بنتائجه.